بسبب الفضائح والمهاترات وتجاوز القوانين وسوء استخدام السلطة وسياسات أثارت الكثير من الاستياء والنفور منه، استدعت حدوث تطورات تؤكد أنه لم يعد هناك مزيد من المقدرة على تحمل المزيد مما قد نسميها إهانات الرئيس للأميركيين قبل غيرهم والاستهتار بعقولهم حتى سجل رقماً قياسياً في عدّاد الكذب، منذ استلامه السلطة في 2017م.
نارية هي المواجهة حالياً بين ترامب والنواب الأميركي، وحامية الوطيس تلك المكاشفات التي تحدث والمكاشفات التي سوف تتشابك وقد تصبح شديدة التعقيد، حتى باتت فضيحة ترامب السياسية تهدد مستقبله خلال الفترة المقبلة مع تخبطه في مواجهة الاتهامات بالخيانة من جهة وتحركات الكونغرس السريعة لعزله من منصبه.
وهو ما يظهر عبر فضيحته هذه المتعلقة بالتماس مساعدة أجنبية من أجل التدخل في الانتخابات الأميركية لمصلحته وتشويه سمعة منافسه الديمقراطي جو بايدن، والتي كانت القشة الكبيرة التي أوقعته في شر أعماله، ومنحت الديمقراطيين في مجلس النواب الجرأة على البدء رسميا بإجراءات مساءلة ترامب على أمل عزله.
هذا الشبح الذي يواجهه ترامب منذ شهور بسبب سياساته المتهورة والأزمات الدبلوماسية المتكررة التي أقحم الولايات المتحدة بها حتى مع أقرب الحلفاء لواشنطن بدأ يهدده على نحو جدي هذه المرة بسبب اتصال هاتفي سري أجراه مع نظيره زيلينسكي وهدد فيه بوقف المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا ما لم تساعد الأخير بتشويه سمعة بايدن لكن مسؤولا في الاستخبارات الأميركية اعترض الاتصال وتقدم بشكوى رسمية ضد ترامب ليبدأ أسوأ كابوس يمكن أن يعيشه، بعد أن أعلنت رئيسة مجلس النواب الديمقراطي نانسي بيلوسي فتح تحقيق رسمي قائلة: إن الرئيس الأميركي نكث بقسم اليمين بسعيه للحصول على مساعدة دولة أجنبية وإن تصرفاته كشفت عن الحقائق المشينة لخيانته.
هذا وقد هدد ترامب بأن الأسواق المالية سوف تنهار بحال تم عزله.
وقال ترامب في تغريدة له على تويتر: إذا فعلوا هذا فعلاً «أي إذا تم عزله» فإن الأسواق سوف تنهار.
وأضاف:هل تعتقدون أن الحظ كان هو الذي جعلنا نصل إلى أفضل سوق للأوراق المالية والاقتصاد في تاريخنا؟ لم يكن كذلك!
جاء ذلك رداً على تغريدة لصحافية تعمل في «فوكس نيوز» قالت فيها: إن الأسهم بلغت أدنى مستوياتها بعد أن دعت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى التحقيق في قضية ترامب ونظيره الأوكراني.
هذا وفي تغريدة لاحقة قال ترامب: يحاول الديمقراطيون تدمير الحزب الجمهوري وكل من يقف بجانبه، اوقفوا جنباً إلى جنب، العبوا لعبتهم، وقاتلوا أيها الجمهوريون، بلدنا في خطر!».
هذا وقد اضطر ترامب إلى الاعتراف بأنه اتصل مع زيلينسكي محاولاً لفلفة مقصده من الحديث الهاتفي الذي جرى بينهما عبر إطلاقه سلسلة من التصريحات المتناقضة التي تراوحت بين إنكاره إيقاف المساعدات العسكرية لأوكرانيا واستمرارها من جهة أخرى وبين إقراره بالحديث عن بايدن ونجله ومحاولة تبرير ذلك بعمليات فساد تجري في أوكرانيا.
هذا التخبط أمام ما يواجهه بدا واضحا في مقر الأمم المتحدة بنيويورك عندما حاول خلال حضوره فعاليات الدورة الـ74 للجمعية العامة تشتيت الانتباه وصرف الأنظار عن الانقسامات والمشكلات التي تعاني منها الإدارة الأميركية فيما بدأ الديمقراطيون في الكونغرس بتحركات واسعة لبدء إجراءات المساءلة والعزل بطريقة لم تدع أمام البيت الأبيض مجالا كبيرا للمراوغة والتستر على انتهاكات ترامب كما جرت العادة في فضائح أخرى سابقة تورط بها.
وأمام الضغوط التي يمارسها البيت الأبيض في محاولة لاحتواء الفضيحة دفعت مدير الاستخبارات الأميركية بالوكالة جوزيف ماغوير أن يهدد بالاستقالة من منصبه بسبب حملة الضغط الكبيرة التي يتعرض لها من قبل مسؤولين في البيت الأبيض لعدم تقديم كل المعلومات خلال شهادته بشأن المكالمة.
الوقوع في الفخ دفع ترامب للمراوغة والمناورة وتشعب أبعاد الفضيحة عبر البدء بمهاجمة الديمقراطيين متهما إياهم بمحاولة تقسيم الولايات المتحدة فيما تتالت هجمات المسؤولين الأميركيين السابقين والحاليين وتصريحاتهم المطالبة بعزله، حيث أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون دعمها لإجراءات عزله، معتبرة أن الأمر يمثل حالة طارئة وأن سلوك ترامب الأخير تجاه أوكرانيا ومحاولاته ابتزاز زيلينسكي مقابل تقويض سمعة بايدن يمثل جريمة خالصة، واصفة خصمها السابق بأنه «إعصار بشري أرعن وفاسد لا يهتم إلا بنفسه» مشددة على ضرورة البدء بإجراءات عزله في سبيل مصلحة الأمن الأميركي.
أما بايدن الذي كان سابقاً نائباً لترامب فطالب بالتحقيق في الاتصال الهاتفي، مؤكدا أن ما قام به ترامب هو استغلال للسلطة بطريقة فجة وتصرف مشين.
ربما تكون مساءلة ترامب وعزله متشابكة تحتاج لوقت طويل لزمن وفق التحليلات، إلا أن التحرك بهذا الاتجاه أصبح واضحا وسط ترجيحات بأن يلاقي مصير سلفه الأسبق ريتشارد نيكسون الذي أجبر على الاستقالة من منصبه عام 1974م قبل إمكانية مساءلته بسبب «فضيحة ووترغيت» ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه بعد أن أصبح ترامب صاحب فضيحة أوكرانيا.