ذلك لأنها تتمتع بالموقف الأفضل بين سائر الدول الأمر الذي يمكنها من تخفيف التوترات بين الرياض وطهران.
ويدعم تلك المقولة ما شهدناه في السنوات الأخيرة من تزايد مضطرد في حجم التبادل التجاري الثنائي بين الصين والمملكة السعودية القائم على النفط، إذ لم تتجاوز في عام 1990 أكثر من 1 مليار دولار ، بينما أصبح ذلك التداول في عام 2003 أكثر من 70 مليار دولار. وبذلك باتت بكين بحلول عام 2017 المستورد الأول للنفط السعودي متفوقة على الولايات المتحدة لكونها أصبحت المستورد النفطي العالمي الأكبر.
في خضم هذا الواقع ، نجد أن الصين هي المستورد الأكبر في العالم للنفط لتأمين احتياجاتها وتحقيق ما تصبو إليه من نهضة ، بيد أنه من الملاحظ بأنها تنأى بنفسها عن التدخل في القضايا الأمنية القائمة في منطقة الخليج ، لكن الولايات المتحدة لم تتوان عن دعوتها للمشاركة في دفع تكلفة الأمن متهمة إياها بامتطاء الوضع الحالي والاستفادة منه مجانا. لكن يبدو بأن بكين ترى أن الشرق الأوسط ليس في واقعه إلا بؤرة للمشكلات وبالتالي فإن الانخراط فيه سيؤدي- لا محالة- إلى تكبيد الخزانة الصينية كلفة باهظة وربما لا يقتصر الأمر على ذلك فحسب بل يتعداه إلى التضحية بالصينيين أيضا. وإزاء ذلك ، نرى أن الصين تفضل الاستفادة من الضمانات الأمنية الأميركية في المنطقة خشية الخوض في مجازفات لا تعلم تبعاتها.
وقد تجلى الحذر الصيني في يوم الاثنين الفائت عندما عمد ممثل وزارة الخارجية الصينية إلى القول بأن الصين «تعارض اتخاذ أي إجراء يفضي إلى تصعيد الأحداث في منطقة الشرق الأوسط». بيد أنه على اعتبار كونها إحدى القوى العالمية التي لها مصالح جمة في منطقة الخليج ، فقد كان من المتعين عليها أن تبذل قصارى جهدها لتوظيف وتسخير قدراتها السياسية لوضع حد لهذا النزاع القائم.
لا ريب بأن الصين تسعى جاهدة في المحافظة على علاقاتها البناءة سواء الاقتصادية أم السياسية مع شركائها في كل من المملكة السعودية وإيران ، ولاسيما في ضوء ما نشهده من اتهامات بانخراط إيران في الهجمات الأخيرة ، لكن بدا جليا بأن كلا من الرياض وطهران وواشنطن وبكين لا يرغب بخوض الحرب، لذلك بتقديرنا أنه قد آن أوان إرساء القواعد الدبلوماسية في الوقت الراهن.
لدى إيران ثقة تامة بأن الصين ستكون وسيطا نزيها ، الأمر الذي بدا على نحو واضح في الآونة الأخيرة عندما أفادت تقارير صادرة عن الصين بإنشاء خط ائتمان تجاري مع إيران تبلغ قيمته 400 مليار دولار. لذلك ، فإن العلاقة غير المحرجة مع إيران سيجعل منها وسيطا مناسبا لإجراء محادثات محتملة تكون متعددة الأطراف.
البصمة الدبلوماسية التي طبعتها الصين في الشرق الأوسط آخذة بالتزايد يوما إثر يوم ، إذ سبق لها وأن شاركت في مفاوضات الاتفاقية النووية الإيرانية (أو ما يسمى اتفاقية العمل الشاملة المشتركة التي جرى توقيعها عام 2015) لكونها عضو في مجموعة 5+1 ، كما أنها عمدت إلى استضافة المحادثات بين الحكومة السورية والمعارضة. وإزاء هذا الواقع، فإنه يتعين على الصين اتخاذ خطوة بناءة تكثف بها جهودها بغية وقف التداعيات الناجمة عن الهجمات على منشأتي النفط نظرا لأن تلك التداعيات ستطول بشكل مباشر المصالح الصينية. كما لا مناص لها من أخذ هذا الدور لما يحققه لها من مزايا.
ترى الصين نفسها بأنها تشكل قوة عالمية. و نرى أن هذه الأزمة تمنح الرئيس الصيني جين بينغ فرصة لإثبات أن بلاده لا تكتفي بإطلاق الكلام والخطابات فحسب ولاسيما أن لدى بكين الدافع والحافز والفرصة لجمع كافة الأطراف في منطقة الخليج ، و إبعادهم عن شفا الهاوية المتوجهين إليها. و لكن يبقى السؤال الذي يتعين علينا طرحه في هذا المضمار إن كان لدى الصين الشجاعة ولدى الولايات المتحدة الحكمة لإتاحة المجال لها بالتدخل!