الأعمال التي تبلور فيها دوره الأدبي، وككاتبٍ شارك في الحرب العالمية الثانية التي تمَّ سحبه إليها، فكان شاهداً على زمن التشرد والتمرد وانعدام القيم والهيمنة التي أكثر ما وجدها، لدى حكام الولايات المتحدة الأميركية.
نعم، هي مقولة كاتبٍ عاشَ في زمنٍ اضطره لتجسيد معاناة من سمّاهم «العراة والموتى»، الرواية التي سارع لكتابتها فور انتهاء الحرب، مجسِّداً فيها تمرده على أميركا، ومعارضته للحروب التي تشنّها، وللاضطهاد الذي تمارسه حتى بحقِّ شعبها الذي بات يعاني من موتٍ نفسي.
أيضاً، هي المقولة التي أراد أن يثبت بها، بأن «القوة الأميركية التي تعرضت للانكسار بسبب اعتداءات 11 سبتمبر، والتي سعت بجنون هستيري لردِّ اعتبارها عبر شنِّ الحروب، قد أخفقت في ردِّ اعتبارها وحلِّ مشاكلها الاقتصادية والعسكرية والداخلية».
كل هذا، جعله لايرفض الحرب على «فيتنام» و»العراق» فقط، بل يعارضها ساخراً من أميركا التي اعتبرها «مهيمنة اقتصادياً لكن ضعيفة إبداعياً وثقافياً، ويسودها الجشع والغرور الهزلي القاتل» وهو مالا يعني بأنه يكرهها، ذلك أنه يعترف بأنه وفي أغلب أعماله، يتحدث عنها لأنه يحبّها ولأنه أيضاً، لا يحبها على الإطلاق.
هذا ما اعترف به منوهاً، إلى أن ماأعلنه من كرهٍ لها، يعود لديمقراطيتها التي جعلته يشعر بأنها: «فكرتنا النبيلة عن الديمقراطية، تتعرض للاستغلال والتلطيخ في الوحل، والتقليل من شأنها أمام التمدد القومي، وبلدنا العظيم يسقط عبر العقود في براثن الطمع».
اعترف بذلك، معلناً أن الفرد الأميركي وسواء كان واعياً أم غير واعٍ، يمتلك نيات عدائية، وبأن هذه العدائية هي التي جعلته كاتباً ناقماً على الأنا التي تحرّك نار الشرور والمطامع الأميركية،أيضاً، التي تفرض على الشعوب أن تعيش ما عاشه «عراة وموتى».. الأبرياء ممن شهدَ معاناتهم وصور مأساتهم من خلال تجربته الشخصية..
لاشك أنها التجربة التي جعلته يتمرد على «القوة الأميركية» رافضاً الخضوع لها، وهو ماشكّل صراعاً عنيفاً بينه وبين من أدانوه واعتبروه قد أخطأ بحقها.. لكن، لا يبالي ويستمر في إدانتها والإشارة إلى أن القتلة فيها قد ارتكبوا أبشع ذنب، وعلى مدى ما اقترفوه بحقِّ كلّ دولة قرّروا أن يشنوا عليها الحرب.
لايبالي، ويستمر في تعريتها والتمرد عليها ومواجهتها، بأن ما تشنه من حروب وماتحمله من أحقادٍ، ليس تجاه فيتنام والعراق فقط، وإنما أيضاً، تجاه سورية وإيران وكوريا الشمالية والصين، سببه انهيار برج التجارة الذي أدى إلى انتكاستها النفسية قبل الاقتصادية، الانتكاسة التي أفقدتها وعيها وجعلتها، تسعى بمناسبة أو من دون مناسبة، للتدخل في شؤون الدول، متوهمة بأنها ستحقق ماتصبو إليه من نصرٍ يؤكد تفوقها، وهو مالم تحقق من ورائه إلا الأذى، ووهنِ وانهيار مؤسساتها واقتصادها وإدارتها.
يواجهها بذلك، محذراً إياها من سياساتها القائمة على التوسع والاعتداءات، على شنِّ الحروب كتلك التي شنّتها على «العراق» وجعلته يقول عن غياب المبررات: «غياب دليل الإدانة ضد أي دولة، لن يمثل أي عقبة أمام الإدارة الأمريكية لتطبيق رؤيتها على الأرض، كما أن «بوش» قد وعد الشعب الأمريكي بالحصول على مكاسب كبيرة من هذه الحرب، أيضاً، هو ينظر إلى حماية أمن إسرائيل كالتزام له أسباب استراتيجية، وهو عندما يهدد بشن الحرب ضد أي دولة عربية، فإنه يشبع رغبات المحافظين الجدد الذين يرون أن هناك بعض الدول تمثل خطراً على وجود دولة إسرائيل».