تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تشكيل.. المرأة .. في نتاج العمل التشكيلي وفي شواغله

ثقافة
الأربعاء 3-8-2016
علي الراعي

غالباً؛ ما يُصنف النقاد والمهتمون بالفنون الجميلة الحركة التشكيلية في سورية إلى ثلاثة أجيال - كما فعل الناقد طاهر البني على سبيل المثال - حيث شغلت المرحلة الأولى من بداية القرن العشرين وحتى منتصفه، وقد وثق النقاد مسيرة وأعمال فنية لحوالي ثمانية وعشرين فناناً،

كان بينهم امرأتان هما «منوّر موره لي وإقبال تاجي قارصلي» اللتان كانتا إلى جانب نخبة الرواد أمثال: سعيد تحسين، نصير شورى، محمود جلال، ناظم الجعفري، و.. آخرون. منور موره لي؛ التي ولدت سنة 1912 في استنابول، وأقامت في سورية، ومارست شغلها الفني كهاوية حيث تدربت على أيدي فنانين عرب وأجانب،‏

كانوا يقيمون في سورية، وقدمت الكثير من اللوحات المائية والزيتية بأسلوب انطباعي، استمدت مواضيعها من البيئة المحلية. فيما ولدت الفنانة إقبال ناجي قارصلي سنة 1925في دمشق، وعاشت طفولتها متنقلة بين دمر والزبداني ودوما ودمشق، ورغم زواجها المبكر - بعمر 15 سنة - فقد انشغلت بدراسة الفنون الجميلة بطرق مختلفة، ومن ثم دأبت على إقامة المعارض التشكيلية، تمتاز لوحاتها بضحكة الألوان الربيعية المتأثرة بالانطباعية التي درجت حينها لفترة من الزمن.‏

استحياء أول‏

أما المرحلة الثانية؛ فتمتد من مطالع الخمسينيات، وحتى مطالع السبعينيات من القرن الماضي، وقد أحصى المؤصلون للحركة التشكيلية السورية خلال هذه المرحلة، ما يُقارب من اثنين وسبعين فناناً تشكيلياً، لم يتحدث النقاد خلالها سوى عن امرأة واحدة بين هؤلاء الفنانين الرجال؛ وهي الفنانة لميس ضاشوالي، المولودة في مدينة حلب سنة 1935، حيث درست الفن في دمشق، واهتمت في لوحاتها بالطبيعة والمرأة، بأسلوب ذهب بها صوب الرومانسية المتشحة بالشاعرية، حيث شاركت بالمعارض الجماعية لوزارة الثقافة إلى جوار عشرات فنانين؛ كانوا رواد هذه المرحلة، أمثال: محمود حماد، عبد المنان شمّا، عبد السلام قطرميز، سعيد مخلوف، سامي برهان، خزيمة علواني، أدهم إسماعيل، وعشرات الفنانين الآخرين.‏

وتبدأ المرحلة الثالثة في تطور الحركة التشكيلية السورية خلال القرن العشرين من نهايات السبعينيات، وحتى نهاية القرن العشرين، ولا يزال الكثير من رموزها يقدمون إبداعاتهم إلى اليوم. وقد أحصى النقاد ما يُقارب من مئتي فنان تشكيلي من رواد هذه المرحلة، وقد وصل عدد الفنانات فيها إلى حوالي ست عشرة فنانة، نذكر منهم: ليلى نصير، أسماء فيومي، سهام منصور، مانينا سيوفي، فيروز هنري، لجينة الأصيل، سوسن الزعبي، هالة مهايني، مها قواص، وميسون الجزائري.‏

استحياء ثانٍ‏

مما تقدم؛ يستنتج المتابع للحركة التشكيلية في سورية، أن الوجود النسوي في النتاج التشكيلي؛ كان طول الوقت على استحياء، وحتى اليوم لايزال عدد الفنانات في المشهد التشكيلي السوري قليلاً، إذا ما قورن بعدد الفنانين الرجال.‏

ثمة حضور مُعادل للمرأة؛ سواء كان في اللوحة أو المنحوتة، أو في العمل الفني بشكلٍ عام، إن هذا الحضور أيضاً، جاء على استحياء؛ هو الآخر، أي أن تكون المرأة هي موضوع العمل الفني وغرضه، وشواغله، والمفارقة أن بعض أسباب هذا «الاستحياء» كان مشتركاً بين «المرأتين» سواء المرأة خلف اللوحة أو في النتاج الفني، أي المرأة موضوع اللوحة.!!‏

البعض يُفسر ما تقدم، لاسيما في أسباب «الاستحياء» الأول، أن المرأة كان ينقصها الجرأة طول الوقت في مقاربة مواضيعها بحرية كما توفرت للرجل، أو كما وفرتها المجتمعات العربية للرجل.‏

التباس مزدوج‏

وعلى مدى مئة سنة من الشغل الفني في أنواع الفنون التشكيلية المختلفة؛ كانت المرأة هي من أهم شواغل العمل التشكيلي، سواء جاء التجسيد أو التشخيص كحوامل جمالية تزيد في غنى اللوحة، أو كان الغرض من التشكيل في التجسيد النسوي طرح قضايا اجتماعية وحتى فكرية، تماماً كما تناولت الأمر القصيدة على سبيل المثال، فمرة كان تغزلاً صرفاً وعشقاً لغوياً، أو تناولاً لطرح قضايا مجتمعية.‏

ففي البداية كان تجسيد المرأة أقرب لفنون واقعية، أي إيجاد معادلات جمالية لما هو متوفر في واقع الحياة، ثم كان في منتصف الستينات في مركز الفنون الجميلة نصير شورى وحتى في كلية الفنون الجميلة، يتم إحضار الموديل العاري لدراسته، وفي منتصف السبعينات وبداية الثمانينات، جاء من منع رسم الجسد العاري في كلية الفنون الجميلة، ومن ثم كان على الفنانين التشكيليين أن يتعاملوا مع بعض عناصر الطبيعة، كتداخل جذوع الأشجار مع الأشكال والعناصر الإنسانية - كما عند خليل عكاري وبلسم الشاطر - أو كتشخيص من نوعٍ موارب، كما في حالة الأزهار عند عبد السلام عبد الله أو غادة دهني وسواهما.‏

وهنا يخطر بالبال السؤال: لماذا كان هذا الافتقاد في اللوحة السورية المعاصرة للاحتفاء بالجسد - تحديداً جسد المرأة بكل تجلياته وحمولاته الجمالية والمثيولوجية، والتي كانت لفترة من أزمان طويلة من ملامح اللوحة السورية. ذلك أنّ كل الثقافات السابقة في مختلف الحضارات اعتمدت على تشخيص الجسد العاري: اليونانية، الفينيقية، الأشورية، و.. عشرات الحضارات غيرها، وهي ترمز إلى الخصب والقوة وعظمة وجبروت الإنسان، إن كان من الناحية الرياضية أو الاجتماعية.‏

تياران‏

يُمكن تفسير ما سبق، أنه إضافة لانتشار بعض التيارات الدينية في شقيها الوهابي والعثماني، التي حدت الكثير من الانطلاقات الفنية وفي مختلف انواع الإبداع، هو طغيان الصورة، وأن يكون عدد المهتمين بالصورة النسائية أكبر بكثير من المهتمين بنصوصها وفكرها. فالصورة منجز يُلقي بجناحيه ليُغطي على كل شيء، فيما النص هو خلاصة ثقافتها وسعيها.‏

مسكينٌ اليوم؛ متصفح الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ عام، فهو غير قادر على أن يتخلص من فتنة الصورة ومكائد جمالها وسحرها، فيما الواقع أن للفكر جمالياته وللشكل الإنساني سحره الجمالي الذي كانت اللوحة والعمل النحتي تقدمه في أجمل تكثيف له، والذي كان لوجه الإبداع الخالص والصرف.‏

alraee67@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية