(كان يعيش فوق نجمة، قدماً هنا والأخرى في سماء ضائعة، عاصر زوال حضارة رائعة وغنية أحبها كتلك التي عرفتها أوروبا... حين كان يتواجد في سفينة تائهة، كان من هؤلاء الأشخاص الذين يفضلون الموت في الصالون الأدبي أكثر من الموت في مستودع السفينة).
النجمة التي كان يعيش فوقها هذا الروائي الرائع انطفأت في 22 ك2 الماضي في باريس، ولم يبق لنا سوى الوميض الفريد لرجل نبيه، مثقف، شغوف بالأدب والموسيقا، أنجز بحدود الأربعين كتاباً، أغلبها روايات وأقصوصات، استوحاها من الحلم والخرافة.
ولد مرسيل في 11 آب 1913 من عائلة بورجوازية من أصل إيلزاسي. فقد والده في الحرب العالمية الأولى وهو لا يزال طفلاً، كما فقد أمه وهو في الثامنة من عمره، ولكي يتجاوز هذا الحزن تغذى هذا الفتى الصغير من روايات الطاولة المستديرة، ولاذ إلى ما أطلق عليه فيما بعد الـ (تراموند Traminde)، وهو عالم داخلي مسكون بالأشخاص المفقودين، وبالأحلام حول تلك الطفولة الساحرة التي غذت رواياته وقصصه.
درس الآداب في السوربون، وأثناء تحضيره لدبلوم الميثولوجية اليونانية التقى عام 1934 بمؤرخ الديانات جورج ديميزيل (1898 - 1986) كان ارتباطه به قوياً، كما التقى شنيدر في دربه بالباحث روجيه كيلوا Caillois (1913 - 1978).
بعد حصوله على شهادة الآداب، بدأ التدريس في روين ثم في باريس، حيث تقارب من السرياليين، كان قد كتب في مجلده الثالث عن مذكراته (قصر السراب 1992): (أشعر بارتياح كبير مع السريالية، فيما يتعلق بأهمية الارتباط بالحلم، وبشكل آخر للكتابة الآلية. (أما بصدد إعجابه بـ أندريه بريتون فلم ينتم مرسيل شنيدر إلى مجموعته لأسباب سياسية ودينية.
طيلة حياته غذى نهمين: هما الأدب والموسيقا بالإضافة إلى الرقص (طريقة حتمية لتثبيت الجمال في العالم)، قال شنيدر: إنه بفضل الموسيقا دخل عالم الأدب عام 1947 بقصته القلب القاسي والغياب LeGranit et L`Absence وهي بداية لعمل تميز بسمة الخيال.
كان نوع الأدب الذي مارسه قليل القبول في فرنسا، لكنه قدمه بشكل جيد.
انضم إلى مجموعة نودييه، نيرفال ولا سيما إلى مجموعة الكاتب الألماني E.T.A هوفمان (1776 - 1822) حيث كتب سيرة حياة مرجعية 1979، ولم يتوقف مرسيل شنيدر عن الكتابة بهذا الاسلوب والدفاع عنه من خلال الروايات والاقصوصات مثل محاربي بيير 1969، نور الشمال 1982، يوم رائع 2005 - منشوررات غراسيه - أيضاً كتب دراسات مثل كتابه تاريخ الأدب الخيالي في فرنسا (منشورات فيار - 1985).
آنذاك مارس نشاطين بآن واحد مهنة المعلم والكاتب، بعد الحرب العالمية الثانية وجد مرسيل نفسه مكرساً لكتابة الأخبار الموسيقية لصحيفة كومبا Combat، هذه الأخبار فتحت أمامه الأبواب حيث كتب أيضاً لمجلة توباري أرتيستيك، كما كان لهذا الرجل الأنيق والمرهف صداقات مميزة مع: نانسي ميتفور، سوزي مانت - بروست وبول موران.
بالإضافة إلى الأخبار الموسيقية التي كتبها للفيغارو ولـ لوبوان Lepoint نشر شنيدر دراساته عن هنري سوغيه 1959، شوبير 1957 وفاغنير 1960.
ترك مرسيل شنيدر التدريس سنة 1960 وأخذ ينسحب شيئاً فشيئاً من الدوامة الدنيوية والأدبية ليكرس نفسه تماماً للكتابة، عام 1990، بدأ كتابة مذكراته، الخلود الهش، L`Eternit fragile بأربعة أجزاء (منشورات غراسيه)، هذا العبور الرائع للقرن العشرين أكمل بكتابة مذكراته بشكل وداعي: لا بد من ترك البيت والحدائق الذي سيصدر في 10 شباط الحالي عند غراسيه.
من الجوائز العديدة التي حصل عليها، توجت بجائزة بيير دو موناكو عن مجموعة أعماله سنة 1980، والجائزة الكبرى للغة الفرنسية عام 1998، كما كان مرسيل شنيدر عضواً في لجنة جائزة ميديسي التي ترأسها بين عامي 1978-1996.
كتب عنه فرانسوا مورياك وصفاً جميلاً عام 1962: (سيأتي الوقت الذي سيكون لابن منطقة نيرفال الأصيل مكانته).