اخترت هذه الجملة التي قالها ذات مرة اشهر نقاد هوليوود جون سيمون .. كتوطئة لا بد منها لعل علاقتنا كنقاد مع الوسط الفني ( ممثلين, مخرجين, كتاب) تصبح معقولة. مفهومة بعض الشيء رغم يقيني التام بأن هذه العلاقة لن تتحسن ذات يوم لكن المشكلة انكم ستؤلفون وتمثلون وتخرجون.. ونحن سنشاهد ونكتب اي ما من مفر من هذه المواجهة لهذا اقترح هدنة مستبقة بيننا على امل ان تشاركونا حقيقة ان الفن الدرامي هو ( ترفيه من النوع الثاقب ذي المدى الواسع ) و الشامل . . ولأننا مثلكم مليئون بالامل بأن لا ننتج ونكدس بضائع عابرة وحسب ..نتمنى ان تتفهموا ..تتقبلوا.. النقد بعيدا عن اعتباره تجريحا شخصيا او تناولا ذا غرض خاص ,فأنا شخصيا اكاد لا اعرف احدا بالوسط الفني -وحريصة على ذلك - من باب استقلالية الرأي..
-(بكرا احلى) .. حين تجذبنا دراما الواقع
لعل مسلسل ( بكرا احلى) كان مفاجأة الموسم من حيث المضمون والاخراج واداء الممثلين .. فالسيناريو جاء مطعما بروح النكتة الحاضرة المدروسة البعيدة عن الابتذال والتهريج المجاني وبدون هزل مفتعل عدا عن انه غاص بجرأة العارف بمشاكل من نمط جديد غير مطروحة الا فيما ندر وفاجأنا الاسم الجديد ( محمد اوسو) بامكانيات تنم عن موهبة جديدة.. واعدة اما الشخصيات فقد كنا على موعد غير متوقع.. غير مسبوق مع مجموعة من نجومنا الشباب في ادائهم لطراز جديد على معظمهم لتبرز مواهبهم الادائية على نحو ملفت وبطريقة عفوية بسيطة ومقنعة (كسمو. خجو.. حدو. . ابو حاتم .. نزير) وكعادتها نجمتنا منى واصف . بالغة التألق..
عصي الدمع .. عصي الهضم?
عسر هضم حقيقي سببته الشخصيات التي اخترعت في هذا المسلسل حيث وجد شوبان وموزارت وبيتهوفن وبقية اعلام اوربة الموسيقيين وغيرهم وجد هؤلاء بعض المعجبين المحسنين الذين نذروا انفسهم للترويج لسيمفونياتهم وسوناتهم لعلنا وعلى امل ان نطرب لغير ( المجوز والطبل.. المزمار.. الربابة) ونتعولم وننسى ( شردت مني الغزالة) الديكتاتورية هي العنوان العريض في هذا المسلسل.. ديكتاتورية النص المستفحلة .. حيث برعت كاتبة المسلسل بفرض ذوقهم الشخصي وارائهم الخاصة ووجهات نظرهم ( التنظيرية) بقضايا عامة لا يمكن البت بها على النحو المطروح في المسلسل .. هذا عدا عن طريقة صنعهم للابطال .. فالبطل العاشق النمطي .. المعتاد الذي يكبر البطلة المحبوبة بحوالي نصف عمرها اي (قد ابوها) هو النموذج الذي يتكرر بسخاء بدرامانا وفي كل موسم .. فجاء خليطا من شوبان والشيف رمزي وفوق ذلك داعية لحقوق الانسان والمرأة وربما في حلقات قادمة سنجده مدافعا عن حقوق الحيوان اما البطلة فهي ايضا نموذج مكرر.. وجه جميل وعمر صغير وعقدة فقدان الاب موجودة.. لا ادري لماذا يصر المخرجون دائما على تلبيس- توريط - الفنانة سلاف فواخرجي في أداء هذه المهمة.. اقصد هذا الدور بالتحديد رغم اننا رأيناها في ادوار ناجحة بكل المقاييس ( خجو..اعتماد) هذا عدا عن تدجيج المسلسل بالحفلات والمطاعم ودعوات العشاء والاكثار من الولائم التي يعشقها كل مخرجينا وكتابنا حيث يمكن لهم جمع كل الابطال - العشاق- حيث يتم التعارف يليه شيء من سوء التفاهم ثم العتاب ثم تتوافق الاهواء ويتزوج البطل البطلة ويخلفون صبياناً وبناتاًَ ويعيشون بثبات ونبات .. الخ ..
اما الثقافة فقد كانت ديكتاتورية بامتياز . اي ان الهوس بالثقافة وادعاءها اجتاح معظم الابطال - المحامين- فقد فاقت ثقافتهم الحد المطلوب وزاد عيار ( الغلاظة) عن حده وغلب على معظمهم طابع (الادعاء) وبدت الحوارات سفسطات كلامية لا طائل منها غير ( صنع مسلسل) .
ببساطة مرة اخرى نجد انه قدرنا ان نتحمل . . ونرغم على الاعجاب بابطال هاربين من روايات ( عبير) وكل قصص المراهقين والتي تباع على البسطات والارصفة..
فالشخصيات كلها مثقفة.. عاشقة وتنطحوا لمهمة وعظنا وتعليمنا وتثقيفنا .. بل نكاد نتوقع ان تظهر احدى ساحرات ماكبث وتقرأ علينا نبوءة?
-اهلي بالشام .. اين نزار?!
هل نحن امام اقتباس لا اكثر ولا اقل ?!
ضجة اعلامية , معارك صحفية وتواطؤات صحفية حامية الوطيس تكاتفت على ورثة نزار قباني ووقفت الى جانب الجهة المنتجة التي حاولت اقناعنا بأنها وأنهم حريصون على تصوير هذا المسلسل عن حياة الشاعر الكبير بدافع المحبة والحب للشاعر .. فقط?!
في حين نشبت الحرب ودارت رحاها لمدة اشهر حيث تم استعمال حبال ا لمجلات المختصة باصطناع الغسيل ثم تمثيل نشره على الحبال المعدة مسبقا للاتهامات التي وصلت حدود (التبلي) كل ذلك جعلنا ننتظر هذا المسلسل وبتوق .. وماذا كانت النتيجة? فكان علينا ان نتسمر -منقوعين- بالقصائد التي القاها علينا المسلسل لتغطية فقر النص المدقع بشأن التفاصيل من وعن حياة نزار فاكتفى بتزويدنا بما عرفناه سابقا من الخطوط العريضة لحياته فلم يحرز المسلسل الا القليل بهذاالشأن فالسيناريو جاء مشوشا يحتاج الى الكثير من الصقل لأنه قام على مبدأ لا يليق بدراما حقيقية: ( الشط والمط) وتم اللجوء الى الحدث السياسي في المنطقة آنذاك وتوليفه مع حياة الشاعر لترقيع قوام النص الذي لا يحتمل اكثر من عشر حلقات بأفضل الاحوال.. وهذا يفسر الحلقات شبه الصامتة التي مرت ومالت الى فانتازيا مسرحية لا مبرر لها ..
هذا السيناريو يشكل تحديا لأي مخرج وربما لو ان مخرجا اخر غير المخرج باسل الخطيب كان نفذ هذا العمل لما استطاع اعطاءنا مثل هذه النتيجة التي تظل معقولة ومقبولة بسبب حنكة ودراية عهدناها بكاميرا باسل الخطيب .. وهنا يحضرني سؤال هو : كيف غامر مخرج مشهود له بأنه ابدع اعمالا ذات مستوى رفيع فأقدم على التعامل مع هذا النص?!
النص الذي اغدق علينا دروسا بالتاريخ لعلنا نسهو قليلا عن نزار الذي قام بدوره الفنان ( تيم حسن ) فلم يفرق بين نزار الذي كان عاديا ونزار الذي سيصبح مشهورا.. فقد طالعنا الفنان بمعالم وتعابير وجه شاعر مشهور مشروعه منجز ومعترف به منذ بداياته فلم نشعر بالتحولات والتبدلات التي يفترض ان يمر بها شاعر يكابد شق طريقه الاصح قدم نزارا بوجه موحدامام الحب والموت.. والذكرى.. اما القاء القصائد واستذكارها فهي احدى تلك الحلول -المكشوفة- التي تم اللجوء اليها لتطويل عمر المسلسل.. الذي اعتمد كلياً على جاذبية اسم نزار وغوايته الدائمة لنا.. !?
باختصار وببساطة وبحسم يمكن لنا القول باخلاص ان جعبة الموسم لهذا العام تميزت بنصوص شاحبة باهتة تحتاج الى بهارات كثيرة حتما هناك اعمال نجت من هذه الشبهة مثل ( اشواك ناعمة) (بكرا احلى) و(غدا تشرق الشمس) وهذا بسبب مخاطبتها للواقع والتواضع والعمل بآلية بعيدة عن (السوبرمانية) الا نحتاج كثيرا الى رفع الستارة عن مسارح كثيرة من حياتنا لم تكتشف من قبل ربما بسبب الجهل.. او السهو او الفوقية..
حتما سيثير دهشتنا ما يمكن ان نسميه ( السيناريو الذكي) الذي يكون مرامه ان يقنعنا ويعجبنا . يدهشنا لا ان يثابر على وعظنا وتثقيفنا .. كما يتوهم البعض .. ويصرون على تكرار الوقوع في ( المطبات) حسنا .. هيتشكوك... غودار.. بيرجمان. .كروفو.. الخ..
كل هؤلاء سمعوا النقد واستفادوا
وكما قال احدهم : ( بالطبع ليس هناك من هو معصوم عن الخطأ, لكن يجب ان يقتنع المرء بأنه غير معصوم).