وخاصة أن البلد الذي انطلقت منه شكّل ولايزال نموذجاً فريداً يُحتذى في التقدم الحضاري والإنساني المنفتح على كل الحضارات، إلى درجة أن المثل اليوم يُضرَب بهذا البلد ومدى تحرر أبنائه وممارستهم لمختلف أشكال الحرية التي لا يحلم بها مواطنو أكثر البلدان ديمقراطية وصوناً لحقوق الإنسان؟!!!
أقول يبدو أن «العربية» قد انتهت من تحقيق مجمل هذه الأهداف ولم يبقَ لديها سوى التفرّغ لقضايا حقوق الطفل العربي وصيانة حاضره وضمان مستقبله، إلى درجة أنها تشكّل اليوم المدافع الإعلامي الأول عن حقوق الطفل العربي، كيف لا وهي تتابع تحركاته خطوة فخطوة على جبهات القتال وهي التي كانت من أكبر المساهمين في أن ينفضّ الأطفال العرب في أكثر من بلد عربي عن مقاعد الدراسة ويلتحقوا بقوافل الموت داخل البلاد العربية التي تستلذ «العربية» وشقيقاتها من صاحبات الشرف والعفاف وهي ترى الصراعات العربية تستعر وتشتد، فإن خبت حيناً من الزمن نفخت فيها لتعيد تأجيجها كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
وإنه لمن المحبِط أن تتجاهل كافة المنظمات العربية والإقليمية والدولية المعنية بحقوق الطفل والأم والأسرة جهود «العربية» الحثيثة في رعاية الأطفال العرب وزجّهم في ساحات القتال، ربما رغبةً منها في إكسابهم الشجاعة المطلوبة لمقارعة العدو الإسرائيلي عندما يصبحون شباباً.. هذا إذا امتد بهم العمر ولم تلتهمهم نيران «العربية» المنتشرة اليوم في كل مكان.
وربما كان اللقاء الذي أجرته وعرضته «العربية» مؤخراً مع أحد المقاتلين العرب الصغار والذي لم يتجاوز عمره الثلاثة عشر عاماً أبرز مثال على ما تكنّه «العربية» من احترام للروح البشرية، إلى درجة أنها لا توفّر جهداً في إيصال هذه الروح إلى بارئها بأبسط الطرق وأسهلها.. اللقاء المذكور أجرته مذيعة «العربية» المتحمسة دائماً لكل شرٍّ في الأرض العربية عبر السكايب مع طفل عربي (متطوّع) مع مجموعة قتالية حسب تعبير المذيعة وكأن الطفل يمتلك من رجاحة العقل بما يكفي لكي نطلق على عملية سوقه كالنعاج إلى ساح القتال تسمية «تطوّع»..
وكان محور الحديث منصبّاً على تمجيد هذه التجربة وتشجيعها وتصوير بطلها بمظهر السوبرمان الذي ينبغي على جميع أطفال بلده (حصراً) الاقتداء به وترك مقاعد الدراسة وأحضان الأمهات ورعاية الآباء والالتحاق باحتفالية اللون الأحمر التي لا نهاية لها.
مذيعة «العربية» وهي تجري الحديث وتزيّن الشرّ للمشاهِد العربي وترشّ السكّر على الموت لم يخطر ببالها ولو للحظة واحدة أن هذا الطفل الذي وجدت فيه مثلاً أعلى لأطفال بلده هو في عمر ابنها الذي لن تفرِّط به بهذا الشكل بالتأكيد ولن تدفع به بهذا الشكل الهستيري نحو الموت.. لكنها –وللحق- طلبت منه أثناء الحوار أن يبعد فوهة البندقية عن ذقنه وهو يتحدث كي لا يصاب بمكروه «فنحن نخاف عليك» حسب تعبيرها، لكن هذا الخوف لم يدفعها إلى نصحه بأن يترك هذا الجنون ويعود للالتحاق بمدرسته، بل مضت في تشجيعه وكأن طعم الموت في ساحة الجنون يختلف عن طعمه أمام شاشة «العربية».