فقد قامتا بإسهامات لا غنى عنها لتعزيز سلام واستقرار وتنمية العالم، والحفاظ على التوازن الاستراتيجي العالمي، وتعزيز التعددية القطبية، وتيسير إقامة نظام سياسي واقتصادي عالمي أكثر عدلاً وعقلانية.
وهو ما أكده الرئيس الصيني شي جينغ بينغ بوجهته الأولى لروسيا في أول زيارة له إلى الخارج بعد أسبوع على انتخابه رئيساً للصين، حيث قال في كلمة ألقاها أمام طلاب وأساتذة جامعة موسكو: "يجب أن تكون جميع الدول الكبيرة منها والصغيرة القوية والضعيفة الغنية والفقيرة متساوية .. ويجب احترام حق شعوب جميع الدول في اختيار طريقها للتطور والوقوف ضد التدخل في الشؤون الداخلية للدول". موضحاً أن العالم يعيش مرحلة تغيرات جذرية وتحديات كبيرة، وقضية الإرهاب العالمي وانتشار الأسلحة هي القضايا الأساسية التي يجب أن تواجهها كل الدول بالتعاون الوثيق.
والحقيقة، أنه وبالرغم من أن النصف الثاني من القرن الماضي، كانت فترة شدٍ وجذب بين الطرفين فيما يخص عدد من المسائل والقضايا السياسية والعسكرية والاقتصادية والجغرافية الخلافية، إلاَّ أن التاريخ يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن القوتين كانتا أقرب إلى التقارب منه إلى السعي إلى المواجهة وقطع العلاقات بينهما خلال تلك الفترة الزمنية، وذلك لأنهما قد غلبا في كثير من الأحيان جانب المصالح المشتركة على خلافاتهما التاريخية. فعلى سبيل المثال لا الحصر وكدليل على أنهما كانتا أقرب إلى التفاهم والتقارب منه إلى الاختلاف والتنافر، هو ما شكلته فترة الخمسينيات من القرن الماضي، والتي تحالفت فيها القوتان ضد إمبريالية الولايات المتحدة الأميركية، بالرغم من أنها كانت السنوات حدة بين الطرفين السوفييتي والصيني.
وقد شكلت سنوات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين البداية الحقيقية للرؤية الاستراتيجية الروسية - الصينية المستقبلية في احتواء الولايات المتحدة الأميركية، وإن لم يعلن ذلك رسمياً، وبجانب سعي الصين وروسيا لخفض النفوذ الأميركي، هناك أيضاً أهداف مشتركة أكثر أهمية من الناحية الجيوسياسية، وتتمثل في مكافحة الإرهاب العالمي والطرف والانفصال.
الرئيس بوتين اعتبر أن العالم الأحادي الجانب بقيادة الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة لم ينجح مطلقاً في زعزعة الاستقرار العالمي، وقد أثارت تصريحات بوتين النارية في أكثر من محفل مخاوف الأوروبيين والأميركيين معاً، لدرجة أن توصف بأنها نزعة روسية حديثة لعودة السنوات السوفييتية القديمة، وقد زادت عدائية الغرب لبوتين وروسيا تحديداً، عندما زار إيران في عام 2007، حيث كتب حينها وزير الخارجية الأميركي السابق ستروب تالبوت مقالاً في الصحيفة الإيطالية "كوريرا ديلا سيرا" يصف فيها سياسة بوتين بالعدوانية والتعصب والاستبداد وبانه ممتلئ بطموحات وأحلام الدولة العظمى، ووصف تالبوت العلاقات بين موسكو وواشنطن بانها الأسوأ في تاريخ البلدين منذ عشرين عاماً.
كل تلك النزاعات والخلافات بين الطرفين الأميركي من جهة، والطرف الصيني - الروسي من جهة أخرى زاد من قوة الترابط والتقارب بين هاتين الأخيرتين، ولا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة سبق أن أعربت مراراً عن قلقها إزاء إمكانية توطيد العلاقات بين موسكو والصين، نظراً لما تشكله من خطر مباشر على المصالح الأميركية في العالم أجمع، ولم تتوقف أميركا عن مهاجمة المساعي المتنامية من قبل بكين وموسكو لزيادة قوتهما العسكرية، حتى إن وزارة الدفاع الأميركية أعربت عن قلقها مما وصفته بتركيز روسيا على قدراتها النووية، معتبرة أن ذلك يستدعي تطوير الولايات المتحدة لسياسة الردع النووي، مع الإشارة إلى أن الصين تشكل هي الأخرى مصدر خطر استراتيجياً على المدى البعيد.
وفي دراسة قام بها الباحث العلمي في مركز دراسة قضايا الأمن والرقابة على الأسلحة في معهد العلاقات الدولية الحديثة الصيني سون بو، أكد سون أن التعاون العسكري الروسي الصيني الحديث لا يهدد البلدان الأخرى، فالصين تركز حالياً على تنمية التعاون، وليس المواجهة مع أيِّ جهة أخرى، وكذلك أن تعاون روسيا والصين في الميدان العسكري، بما في ذلك المناورات المشتركة، لا يستهدف البلدان الأخرى، ولذا لا يوجد ما يقلق الغرب، وأضاف: تجري المناورات المشتركة في إطار تعاون بلدان منظمة شنغهاي للتعاون، وتستند إلى أساس قانوني متين.
والملاحظ من واقع المشهد الصيني - الروسي اليوم، والمتمثل في مزيد من التقارب والتنسيق السياسي والثقافي والاقتصادي تحديداً، ما يؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك، بأن هذا التقارب إذا ما قدر له الاستمرار سيشكل تحالفاً استراتيجياً مستقبلياً قوياً خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وسيكون اللبنة الرئيسية لتقويض المركزية الأميركية شيئاً فشيئاً على رقعة الشطرنج الدولية، وخصوصاً من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية، وعملياً، فإن هذا التحالف وحده القادر على تغيير المشهد الجيو استراتيجي العالمي عموماً.