تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قمة الحضيض!

الأربعاء 27-3-2013
سهيل ابراهيم

كم تغير الزمن، وكم انحدر العرب نحو الحضيض، في حقبة زمنية سوداء، ذهبوا بها الى خيارات لا تصلح إلا لفاقدي الاهلية لتصريف شؤون الحياة؟!

كم شرّق العرب وغرّبوا في هذه الحقبة وجرّبوا مهارتهم في التدمير الذاتي، ونسجوا من العلاقات الخلبية فيما بينهم وأيديهم على سكاكينهم المعقودة على خواصرهم، بانتظار اللحظة السانحة لانكشاف ظهر أحدهم أمام الآخر؟! كم فرطوا بما معهم، وكم تنكروا لإرثهم التاريخي وباعوا شواهده في أقرب سوق تملكه شعوب بلا تاريخ، هؤلاء العرب الذين لم يتعلموا من زمن البداوة سوى مفردات التخلف، أشاحوا بوجوههم عن قيمه السامية وصدقه ونخوته وشجاعته وكرمه، واكتفوا بقشور وجوده التي كانت في عمق التاريخ محكومة بالزمان والمكان!‏

كم أضاع العرب من فرص ذهبية للانقلاب على غربتهم عن العصر وعن معنى وجودهم، على الأقل في القرن الماضي ومنذ خديعتهم الكبرى في أعقاب دراما الثورة العربية الكبرى كما قرأنا في كتاب التاريخ، ثورة الأشراف التي خلصتنا من مستعمر بيد، لتسلمنا الى مستعمر آخر باليد الاخرى، فهل كان ذلك مجرد سذاجة وقلة خبرة، أم كان نوعاً من التواطؤ الذي دفعنا ثمنه أعواماً طويلة من الإذلال تحت نير الانكليز والفرنسيين في مناخ تشكيل الخرائط المجزأة، رغم ذلك فلقد عبرنا إلى الاستقلال وصحا وعينا القومي واكتشفنا قابليتنا للتحرر والوحدة وبناء أسس الدولة الحديثة، ولعقدين زاهيين في الخمسينيات والستينيات حسبنا أننا عثرنا على الترياق الشافي لعلتنا، لكن مناعتنا كانت أضعف من أن تصمد أمام أول نكسة عصفت بكياننا، فانكسرنا من جديد، ودخلنا غرفة الإنعاش ولم نخرج منها بعد!‏

مشهد اليوم ليس منقطعاً عن كل ما جرى في العقود الماضية، فبينما كان رصيد العرب من الوعي القومي والنزوع الى التحرر، يكاد يشرف على النفاد، كان رصيد الرجعية العربية من عوائد النفط والمعاهدات الخفية والمعلنة مع خصوم العرب التاريخيين، كان يفيض في خزائنها، وعندما حان الوقت قررت الانتقام والذهاب الى تصفية الحسابات من بندها الأول إلى الرقم الأخير، قررت شراء البشر مهما كان الثمن، ومن يتعذر شراؤه فالعصا الأميركية - الأوروبية - الصهيونية كفيلة بإخضاعه أو إلغائه من سجل الحياة، اشترت الحكومات والمؤسسات والاحزاب والفكر ومنابر الإعلام، وقتلت في وجدان الناس عروبتهم، وأشعلت الحرائق في كل العواصم، وراحت من نوافذ قصورها تتفرج على أمة تشتعل بتاريخها وأرضها وبشرها، وتأكل بعضها حتى الزوال!‏

من تابع قمة الدوحة في اليومين الماضيين، وأمعن النظر في وجوه أبالسة الرجعية العربية الذين تربعوا على كرسي الرئاسة فيها، وهم يعلنون: الأمر لنا، من تابع هذه القمة لم يلحظ في المشهد إلا الحضيض، فخزائن البترودولار، والقواعد العسكرية الأميركية لا تصنع قادة و لا تطوب القمة باسم الصغار المتورمين بالوهم، قد تسعفهم في الصعود الى المسرح بأرجل خشبية، لكن المتفرجين سوف يكتشفون سريعاً أنهم معوقون، وأنهم دمى تحركهم أيد خفية خلف الستار، مهما كان حجم الخراب العربي، ومهما سال دم العرب في الطرقات، ومهما طالت غيبوبتهم في غرفة الإنعاش، فقمة الدوحة لا تمت للعروبة بصلة، وكرسي الرئاسة فيها فارغ حتى إشعار آخر، فهي قمة الحضيض!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية