تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الكولونيالية الهيمنة على قوت الشعوب

ملحق ثقافي
2018/2/13
حاتم حميد محسن

أدّت الثورة الهايتية إلى إلغاء العبودية، وتأسيس أول جمهورية سوداء في الأمريكيتين. إنها أيضاً أنهت الهيمنة الهايتية على الإنتاج العالمي للسكر.

أما كوبا فقد اتخذت نفس الموقف خلال القرن التاسع عشر، حيث بقي السكر حتى بعد إلغاء العبودية عام 1886 هو العمود الفقري لاقتصادها وهو السلعة الأساسية للتصدير طوال القرن العشرين. إنتاج السكر كان يتم بجهود العبيد في الجزر الكاريبية الأخرى وفي ولاية لويزيانا في الولايات المتحدة.‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

وخلال الفترة الكولونيالية في الولايات المتحدة، كان التبغ السلعة الرئيسية التي ينتجها العبيد. وفي ولايتي فرجينيا وماريلاند خصيصاً، عمل في زراعة التبغ أكبر نسبة من الأفارقة العبيد الذين استُوردوا إلى الولايات المتحدة قبل الثورة الأمريكية.‏‏

في ولاية جنوب كارولاينا جرى استخدام عمال من العبيد الأفارقة في زراعة الرز والبازلاء. وبعد الثورة الأمريكية خسرت فرجينيا وماريلاند سوقهما الأوروبي الأساسي، وفي غضون فترة قصيرة بعد الثورة، أصبح مستقبل العبودية في الولايات المتحدة محفوفاً بالمخاطر. معظم الولايات الأمريكية الشمالية ألغت نظام العبودية، وحتى فرجينيا ناقشت موضوع الإلغاء في الجمعية الفرجينية.‏‏

إن اختراع محلاج القطن (وهو ماكينة تقوم بفصل بذور القطن عن الألياف) عام 1793 منح العبودية حياة جديدة في الولايات المتحدة. بين عام 1800 و 1860 أنتج العبيد قطناً، امتد من جنوب كارولاينا وجورجيا إلى الأراضي الاستيطانية الجديدة في غرب المسيسبي. هذا التحول في اقتصاد العبيد من أعلى الجنوب (فرجينيا ومريلاند) إلى الجنوب الأدنى كان مصحوباً بتحول مشابه للعبيد الأفارقة نحو الغرب والجنوب الأدنى.‏‏

وبعد إلغاء تجارة العبيد عام 1808، أصبحت تجارة العبيد المحلية من مناطق أعلى الجنوب هي المصدر الرئيسي لتمدد العبيد نحو الجنوب الأدنى. وفي عام 1850 جرى استخدام 1.8 مليون عبد في الولايات المتحدة في زراعة القطن من بين 2.5 مليون عبد أفريقي.‏‏

إن الغالبية العظمى من العبيد الأفارقة المستخدمين في الزراعة، كانوا يعملون بصفة عمال زراعة. وضمن مجال الزراعة، هم مارسوا مهناً أخرى. البعض عملوا كخدام ونوادل وخادمات أو خياطات أو غاسلي ملابس. آخرون جرى تكليفهم للعمل كسائقي عربات وسائقين ورعاة خيول وفنانين ونجارين وحجارين وحدادين وطحانين ونساجين. كل ذلك تم كجزء من قوة العمل الزراعية.‏‏

الأفارقة العبيد عملوا أيضاً في المناطق الحضرية. حوالي 10% من السكان الأفارقة في الولايات المتحدة عاشوا في المدن. مدن كارلستون وريشموند وسافانا وموبايل ونيويورك وفيلادلفيا ونيو أورليانز، جميعها احتوت عدداً لا باس به من العبيد. في المدن الجنوبية بلغ عدد العبيد تقريباً ثلث السكان. تركزت مجالات مهن العبيد في المدن الكبيرة. الخدمة المنزلية كانت هي المهيمنة، لكن العبيد مارسوا أعمال النجارة والصيد والحدادة والخياطة والصباغة ومهناً أخرى كالنحاسين والبحارين والخبازين والحمالين. وعلى الرغم من أن أغلبية العبيد عملوا مباشرة لمالكيهم، إلا أن آخرين جرى تأجيرهم للعمل خارج مالكيهم كعمال مهرة في الزراعة وفي المشاريع العامة والمشاريع الصناعية. نسبة صغيرة منهم عملوا كعبيد، ودفعوا لمالكيهم نسبة من الأجور التي يتقاضونها.‏‏

الاقتصاد الزراعي في أي ولاية كان جزءاً من اقتصاد سياسي قومي ودولي كبير. اقتصاد زراعة القطن، مثلاً، يُنظر إليه عموماً كجزء من اقتصاد إقليمي للجنوب الأمريكي. وخلال عقد الثلاثينات من القرن التاسع عشر ( 1830)، كان «القطن هو الملك» في الجنوب. كان أيضاً ملكاً في الولايات المتحدة التي كانت تتنافس لأجل قيادة الاقتصاد السياسي العالمي. كانت الصناعة المتنامية للقطن هي الأساس في اقتصاد الجنوب في فترة ما قبل الحرب الأهلية.‏‏

لكن صناعة السفن والتمويل الأمريكي، كانا أيضاً معتمدين على القطن المنتج عبودياً. وكذلك بالنسبة إلى صناعة النسيج البريطانية، حيث أن القطن لم يُشحن مباشرة إلى أوروبا من الجنوب، وإنما كان يُشحن إلى نيويورك، ومن ثم يُنقل إلى إنجلترا ومراكز أخرى لصناعة القطن في الولايات المتحدة وأوروبا.‏‏

ومع توسع اقتصاد زراعة القطن على امتداد المناطق الجنوبية، قامت البنوك والبيوت المالية في نيويورك بتقديم القروض الرأسمالية والقروض الاستثمارية لشراء الأراضي والعبيد.‏‏

وبعد أن أصبح العبيد الأفارقة في الولايات المتحدة مصدراً للعمالة الرخيصة، هم أيضاً شكلوا رأسمالاً اقتصادياً وسياسياً هاماً في الاقتصاد السياسي الأمريكي، باعتبار أن العبيد الأفارقة كسلعة كانوا يمثلون شكلاً قانونياً للملكية. هم فردياً وجماعياً جرى استخدامهم باستمرار كضمان في جميع أنواع إجراءات الأعمال. كذلك كانت تتم المتاجرة بهم مقابل أنواع أخرى من السلع والخدمات.‏‏

استُخدمت قيمة استثمارات مالكي العبيد في عبيدهم لتأمين القروض لشراء أراض إضافية أو عبيد آخرين. العبيد استُخدموا أيضاً لدفع الديون المستحقة. وعند حساب قيمة الملكية، يتم تضمينها القيمة المقدرة لكل عبد. هذا أصبح مصدراً للعائد الضريبي للحكومات المحلية والمركزية. الضرائب كانت أيضاً تُفرض على إجراءات العبيد. سياسياً، أدخل الدستور الأمريكي فقرة جعلت الأفارقة العبيد رأسمالاً سياسياً يصب في مصلحة المقاطعات الجنوبية.‏‏

إن ما سمي بتسوية «الثلاثة أخماس» سمحت للولايات الجنوبية بحساب عبيدها كثلاثة أخماس الشخص الواحد لأغراض حساب تمثيل الولاية في كونغرس الولايات المتحدة. وهكذا، ارتكز توازن السلطة بين الولايات المالكة للعبيد والولايات غير المالكة لهم جزئياً على تمثيل ثلاثة أخماس العبيد الأفارقة في التعداد السكاني.‏‏

فُرضت الضرائب على مالكي العبيد وفقاً لمبدأ الثلاثة أخماس(1)، ولا ضرائب تُدفع على العبيد الذين ساعدوا الخزانة القومية. باختصار، إن نظام العبيد في الولايات المتحدة، كان نظاماً قومياً ارتبط بصميم الحياة الاقتصادية والسياسية.‏‏

..‏‏

الهوامش‏‏

(1) تسوية الثلاثة أخماس The Three-Fifths compromise اقترحها كل من جيمس ولسون وروجر شيرمان لدستور عام 1787 في الولايات المتحدة. هذه الاتفاقية احتسبت جميع العبيد في ولاية معينة بمقدار ثلاثة أخماس السكان البيض. السكان العبيد يتم احتسابهم وفق هذه النسبة لأغراض التمثيل النيابي ولأغراض الضريبة. هذه التسوية كانت نتيجة لربط نسبة الضريبة بقيمة الأرض التي كان العبيد جزءاً منها.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية