ومن أجلِ العمل عما يساعد وفي ظلِّ التطورات التي نشهدها وطبعت العصرَ بطابعها، على وضع تطورات هذه الحركة، في إطارٍ يناسب تفاعلها الفلسفي-الفكري.
إن ما بحثت فيه وتناولته في كتابٍ أعلنت بأن أهميته: «أهمية الكتاب، في أنه يحاول أن يثبت أن واقع النقد والفلسفة، ليس سوى جزء من واقع الفكر والثقافة عامة، وأن النظر إلى النقد من الزاوية الفلسفية المقترحة، يتضمن تأملاً، في البُعد الفكري العربي»..
هذا ما أعلنته في كتابها الذي استهلّته، بمدخلٍ نظري حاولت فيه «تأسيس أرضية معرفية» تكشف العلاقة بين النقد والفلسفة والأدب، وبهدف معرفة مدى عمق مابينهم من علاقاتٍ، والبحثِ في تأثيراتهم وعدم فصلهم بوصفهم أطرٌ فلسفية فكرية مستقلة، أو اتجاهات معرفية منعزلة.
استهلّت الكتاب بذلك، لتتناول وفي فصله الأول، ما يمهِّد للقارئ الدخول إلى «إخوان الصفاء وخلان الوفاء» بمناهجهم وشخصياتهم وأفكارهم، ليكون ما ختمت به عن رسائلهم وآثارهم: «الرسائل ليست إلا إبداعاً فلسفياً أدبياً أصيلاً، والاتهامات التي وُجِّهت لإخوان الصفاء، بالانتقالية، والتلزيقية، والتوفيقية، والتلفيقية، لم تكن إلا ادِّعاءات، فهذه الرسائل ترفض احتكار الحقيقة، وتحمل في طياتها الأفكار المعارضة والمعتقدات المنافسة، وهي تتَّسم بنظامٍ شمولي، ففيها أنساقٌ فكرية ورؤى كونية وفلسفة سياسية..».
بعد هذا الفصل، بحثت «دياب» في «القضايا النقدية التي عند إخوان الصفاء وخلان الوفاء» وهي القضايا التي تناولوها بسبب «نظرتهم إلى الشعر على أنه فرع من فروع المنطق» ولكونهم يرون، بأن «مهمة الشعر المعرفية التي تؤهله، تعود لطبيعته الخاصة التي ترتد إلى القوة النفسانية المسؤولة عن إبداعه» وهو ما يضاف إلى «تصورهم للأداة الشعرية على وجه التجديد».
أما عن القضايا التي عالجوها وبحثت فيها، فالتلقي والمتلقي، ومهمة الشعر، والصدق والكذب في الشعر، والمحاكاة ونشأة الشعر، والنزعة العقلية في الشعر، والخيال في الشعر، والوزن وصناعة الشعر، والشعر بين السحر والعلم، وملكة الشعر..
إنها القضايا التي كان للمتلقي الأهمية الكبرى فيها، ولأنه «غاية العمل الأدبي الذي يسعى لإيصال الرسالة إليه، فقد كان حاضراً أثناء وضع إخوان الصفا القواعد التي توجه عمل الأديب، وتنظيم النصوص».
هذا عن غاية العمل الأدبي لديهم، أما منطلق رأيهم، فكان وظيفة الشعر الذي طالبوه بأداءِ وظيفتين أساسيتين، الوظيفة الأخلاقية والوظيفة المنفعية، ولم يهتموا بالجمالية، فالأخلاق كانت لديهم هي المعيار الأساسي في تقويم الناس.
أيضاً، أيدوا «الصدق في القول، معتمدين على البرهان، وهو المقياس الذي تم صقله بناءً على رؤية أرسطو»، ولقد رأوا بأن «المطلوب من اللغة الشعرية، أن تتمثل العقل، وأن تحثّ على البحث والسؤال، ومعرفة المجهول، فقد أرادوا من الشاعر أن يقدم صوراً لا تُستخرج إلا بالفكر، فكان الشعر محاولة لاكتشاف عوالم جديدة، بحيث يصبح النص الشعري معقداً، ويفشل عندئذٍ كل إدراكٍ سطحي».
ننتقل إلى الخيال، وهو قضية كانت بالغة الأهمية لديهم، ولا تقل عن أهمية الوزن، ولأنه يحقق اللغة الجمالية المؤثرة في اللغة، ويضع الحد الفاصل بين الشعر والنثر، وفي قضية الشعر بين السحر والعلم، سعوا جاهدين إلى «إلغاء الهوّة بينهما، وكان قوام مذهبهم تصوير المعنى والإيحاء به، على نحوٍ يبدو فيه الشعر جزءً من العلم، والفكر مدخلاً من مداخل السحر الفني، وهو مايشي بأن الشعر مظهر خيالي لعالم جمالي».
كلّ هذا وسواه من القضايا، تناولته الباحثة في كتابها الذي نختم بما ختمته فيه، ويلخِّصه قولها: «لا يمكن القول: إن إخوان الصفاء يملكون نظرية نقدية، بل إن لديهم تصوراً نقدياً، وهو ليس إلا تجريداً عقلياً للتجربة الشعرية في عموميتها وارتباطها وتناقضاتها.. التصور، هو استدلال بنائي، وهو الصورة المنظمة التي تتخذها المبادئ العقلية، ويظهر على مرحلتين متكاملتين: الأولى في التوصيف وما يحمله من معايشة تتطور وتنمو بفاعلية العقل الفلسفي، لتتحول في المرحلة الثانية إلى تصورات يعبر عنها بمجموع القضايا».
يبقى أن نقول: «آلاء ياسين دياب» باحثة سورية ولدت في مدينة حلب، ونالت إجازة في اللغة العربية وآدابها من جامعة دمشق.. حاصلة على دبلوم التأهيل والتخصص، في تعليم اللغة العربية من جامعة «البعث»، وعلى ماجستير في النقد العربي القديم من جامعة دمشق.. لديها العديد من الأبحاث، وهي محاضرة في جامعتي «البعث وحماه».
الكتاب، من إصدارات وزارة الثقافة -الهيئة العامة السورية للكتاب. تصميم الغلاف للفنان..»عبد العزيز محمد».