ويفطر فيه من يفطر ممن كان مريضا أو على سفر ولكن ثمة أناس كانوا قديما يفطرون فيه لأسباب هي في حد ذاتها بهجة للسامعين ولا تخلو من عنصري الامتاع والفكاهة... وقد اخترت لكم باقة منها فقد تكون أحد أسباب الإفطار الضيق بطول أيام رمضان وخاصة إذا أتى في فصل الصيف، من ذلك قول الشاعر العباسي المشهور «ابن الرومي» الذي أدركه الصيام في شهر «آب» فصام رمضان إلا أنه قال:
شهر الصيام مبارك مالم يكن في شهر آب
الليل فيه ساعة
ونهاره.. يوم الحساب
خفت العذاب فصمته
فوقعت في نفس العذاب
وقيل مرة «لمزيد المدني» وهو واحد من ظرفاء العرب صوم يوم «عرفة» يعدل صوم سنة بكاملها. فصام الى الظهر في ذلك اليوم، ثم أفطر ولما سئل عن ذلك أجاب:
يكفيني ستة أشهر.. أي نصف سنة... يدخل فيها شهر رمضان..!.
وسأل أحد البسطاء جماعة من ظرفاء العرب فقال:
كيف صنعتم يا قوم في رمضان...؟
فقالوا: كنا إذا أتى شهر رمضان، اجتمعنا ثلاثين رجلا..... فصمناه في يوم واحد واسترحنا منه.
وكان «أشعب» أشد الناس طمعا، فدخل على أحد الولاة في أول يوم من أيام رمضان يطلب الإفطار عنده وجاءت المائدة وعليها جدي فأمعن فيه «أشعب» أكلا.. وصال وجال حتى ضاق الوالي ذرعا به وأراد الانتقام من ذلك الطامع الشره فقال له: اسمع يا «أشعب» إن أهل السجن سألوني أن أرسل إليهم من يصلي بهم في شهر رمضان، فامض إليهم.. وصل بهم... واغنم ثوابهم فرد« أشعب» وقد فطن الى رغبة الوالي الانتقام منه: أرجو أن تعفني من هذه المهمة مقابل أن أحلف لك بالطلاق والعتاق أني لن آكل لحم جدي ما عشت أبدا... فضحك الوالي ..واعفاه.
وجاء رجل الى «أبي هريرة» رضى الله عنه في رمضان فقال له يا أبا هريرة.. دخلت دارا فأطعموني ... ولم أدر..!
فقال أبو هريرة: رزق ساقه الله إليك، حيث أطعمك وسقاك يقصد أنه ليس عليه إثم.
قال الرجل: ثم دخلت داري .. واتصلت بزوجتي..!
فقال أبو هريرة: ليس هذا فعل من تعود الصيام
ودخل شاعر على رجل بخيل فامتقع وجه البخيل واضطربت أوصاله وظن أن الشاعر لا بد أكل عنده ذلك اليوم.. إلا تعرض للهجاء ولكن الشاعر أخذته الشفقة على الرجل فترفق بحاله.. ولم يرض أن يطعم من طعامه.. وإنما وصف ذلك البخيل بهذين البيتين فقال: تغير .. إذ دخلت عليه..حتى
فطنت .. فقلت في عرض المقال
علي اليوم نذر من صيام
فأشرق وجهه مثل الهلال
وقد يكون سبب الإفطار الشعور بوطأة الحرمان من متع الحياة من طعام وشراب ونساء بعد أن حرمه شهر رمضان المبارك إياها، -من ذلك قول أحد الشعراء المغرمين بتلك المتع بعدما وافاه شهر رمضان فقال:
ألغوث من شهر رمضان
إذ صار لي مثل اللجام
حتى أمتع بالنساء..
وبالشراب.. وبالطعام
ويذكر أن أعرابياً وفد على ابن عم له بالحضر، فأدركه رمضان.. فقيل له:
-لقد أتاك شهر رمضان
-قال: وما شهر رمضان هذا ..؟
-قالوا: الإمساك عن الطعام والشراب
-قال: أبا الليل.. أم بالنهار..؟
-قالوا: لا .. بل بالنهار
-قال: أميز حنون بدلا من الشهر..؟
-قالوا: لا .. أيها الأعرابي
-قال: فإن لم أصم.. فماذا يفعلون..؟
-قالوا» تضرب.. وتحبس
فصام أياما.. فلم يصبر.. فأسرع بالرحيل وأخذ يقول:
يقول بني عمي وقد زرت مصرهم
تهيأ (أبا عمرو) لشهر صيام
فقلت لهم: هاتوا جرابي ومزودي
سلام عليكم.. فاذهبوا بسلام
ويممت أرضا.. ليس فيها مسيطر
علي .. ولا مناع أكل طعام
وقد يكون سبب الافطار عن طيش وحمق.. فقد رحل
« عيينة بن حصن الغزاري» وكان معروفا بالحمق-على الخليفه الراشدي الثالث (عثمان بن عفان) رضي الله عنه ليلا، فقال له الخليفة:
هل لك في العشاء..؟
فقال عيينة : إني صائم
فقال الخليفة: أمواصل أنت يا عيينة؟
قال: وما الوصال يا أمير المؤمنين..؟
قال الخليفة: أن تصوم يومك.. وليلتك.. ويومك الثاني حتى المساء.
قال عيينه: لا والله يا أمير المؤمنين ولكني وجدت صيام الليل أيسر علي من صيام النهار.
تلك هي بعض اللوحات الطريفة التي رسمها لنا بعض الطرفاء والحمقى والشعراء.. والتي أردت من خلالها أن أرح بعض الشيء عن الأخوة الصائمين، ويقينا أن حياة البادية وما فيها من شظف العيش وقسوة الحر كان لها أثرها، هذا أما أردت قوله في نهاية هذه الرحلة الطريفة مع الظرفاء والحمقى والشعراء خلال شهر الصيام المبارك.. أعاده الله على الجميع باليمن والخير والبركات والصحة والتوفيق.. وكل رمضان والقراء ومن يحبون بألف خير.