دار بلياد الشهيرة للطباعة والنشر تعيد نشر أعمال الأديب الكبير تباعاً، وكما نشرت أعماله الشعرية الكاملة عام 2007 ها هي تدقق أعماله الروائية الكاملة وتنشرها تحت عنوان:
«روائع بلياد، آراغون الحقيقي» وهي الجزء الرابع من سلسلة أعماله التي تجاوزت الخمسين مؤلفاً .
الرواية التي لم تكتمل:
هي ليست رواية لكنها قصيدة طويلة شبيهة بالمعلقات العربية وفيها يعود آراغون إلى الغنائية الشعرية التي ميزت أعماله في فترة شبابه وللوهلة الأولى اعتقد النقاد أنها تتمة لقصيدته السابقة «العيون والذاكرة» لكنها في الحقيقة جاءت لتكمل سيرته الذاتية وبصفة المتكلم وهي إضافة للشعر التقليدي المقفى الذي اشتهر به آراغون فقد عاد بقصيدته هذه إلى القرن السادس عشر، القصيدة نشرت عام 1956 وقد عبرت بوضوح عن الضياع الايديولوجي الذي كان يعاني منه آراغون ففي تلك المرحلة دخل الشاعر دوامة العبثية: عبثية الكتابة والالتزام، في القصيدة استعادة لذكريات مرحلة لقائه بـ دادا وتشكيلهما الحركة السريالية إلى جانب أندريه بروتون وبول أيلوار وبعدها تبدأ مرحلة شيخوخته وانهيار علاقاته العاطفية التي التقى في جزئها الأخير بإلسا حيث يسلط الضوء على فرنسا عام 1956.
ومن عالم القصيدة الذي يتأرجح بين الواقعية والخيال ينتقل آراغون إلى روايته الرائعة «العالم الواقعي، التي أوشكت على قول حقيقة هذا العالم. وتكتمل الرواية. لكن بقيت تلك الفترة مريبة مخيفة حتى عام 1946 وظهور روايته «الكذب الحقيقي» وفيها يدون تاريخ معاناته أثناء تنقلاته بين لندن وإيطاليا وألمانيا والاتحاد السوفييتي وبالتالي ترحاله في عوالم الصمت والمؤمرات والطرق المسدودة سياسياً وأدبياً وفلسفياً، وينقل صديقه دانييل بونيو في مقدمة الأعمال الروائية الكاملة انطباعاته عن كيفية عمل آراغون الأديب الشامل خلال مرحلة عانت فيها فرنسا من الحروب المدمره. أما روايته «الشيوعيون» فجاءت تتويجاً لملاحمه السابقة من النثر والشعر وتتألف من ستة أجزاء نشرت ما بين 1949 - 1951 في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتتوقف الرواية عند مخاوف إنسان النصف الأول من القرن العشرين من تجرعه مآسي الحربين العالميتين مرة أخرى وتدور أحداثها حول قصة حب فاشلة أجهضتها الأحداث، بطلتها سيسيل فشلت في زواجها لتقيم علاقة غرامية أخرى تؤدي إلى دمار حياتها، الرواية تضع أسس الدراما التاريخية لفرنسا المندحرة عامي 1939 - 1940، أليست الحرب سوء تفاهم وعبثاً وخواء تاريخياً هذا ما يكشفه آراغون في روايته الحدث.
- آراغون عراب الرواية السياسية:
لقد طرحت رواياته شجاعة سياسية كبيرة وهو الذي التزم باليسار والحزب الشيوعي الفرنسي حينذاك وأثار التساؤلات حول قضية المسؤولية الفكرية لدى الإنسان والمفكر بشكل خاص.
كان يقول: أنتمي لفئة من الناس أمعنت النظر خلال حياتها بالأضواء لدرجة أصبحت عمياء بمحبة تلك الأنوار، وبذلك غدت رائعته «الشيوعيون» دعوة لإعادة اختراع الرواية.
بعدها بسبع سنوات كتب رواية «أسبوع الآلام» وفيها يصور أحداثاً قبل مئة وخمسين عاماً وهو رجل القرن العشرين، يعود فيها إلى اجتياز نابليون المراحل الأخيرة لعودته من جزيرة إلب بينما كان الملك لويس الثامن عشر يهرب من باريس ويصل إلى حدود هولندا، يستخدم آراغون الرموز في الرواية لإبراز الصراع القائم آنذاك ومسيرة هروب الملك من قصور توليري إلى مدينة ليل، ورغم دقة التواريخ لكن الرواية ليست تاريخية بالمعنى الدقيق للكلمة ويختلط فيها عنصر الخيال بالواقع، لقد عبر عن هواجسه واهتمامه بفن صياغة أدبية رائع وبذلك امتلك ناصية الرواية فكتب عن هيغو وستاندال وماتيس والربيع السريالي.
لقد شكلت رائعته «أسبوع الآلام» منعطفاً في عالم الرواية الأوروبية من خلال التعاطف مع المخلصين للأمة وتسليط الضوء على نهضة الفنون الجميلة في فرنسا وبخاصة الرسم وعلى اقتناء الخيول وعشق الناس له إذ كان الثروة الحقيقية للإنسان في العام 1815، المرحلة التي تجري فيها أحداث الرواية.
قارئ آراغون يرى أن إبداع آراغون لم ينفصل يوماً عن عشقه للنقد وتدشينه للفن الروائي الحديث في «الكذب الحقيقي»، وها هي دار بلياد تستعد أيضاً لنشر أعماله النقدية الكاملة خلال الأشهر القادمة.