تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تفاصيل أخرى في حكاية الثقافة المهزومة

ثقافة
الثلاثاء 25-8-2009م
سوزان ابراهيم

يبدو أن السمة المميزة للمثقفين في فرنسا الآن– كما قيل نقلاً عن موريس ماشينو – هي الضحالة! وعلى ذمة سوري عتيق مقيم في باريس, فإن الذين يتصدرون المنابر الإعلامية هم الانتهازيون ممن قيل فيهم:

( مثقفونا المعاصرون يشبهون علماء الكيمياء في القرن السادس عشر, يقدمون النحاس على أنه ذهب! والحديد الأبيض على أنه فضة!) لعلّ في هذا الكلام ما يريح ضمائرنا, وقد كثر الحديث عن العمل الثقافي في سورية على كل المستويات, وعن جمهرة المثقفين الغفيرة ممن ينبتون يومياً ويستنسلون ألقاباً ومواقع وصفات, هي عند أغلبهم مجرد كلام أو حبر على ورق! إذاً هو فيروس الهشاشة الذي يستبيح الجميع!‏

في 14 أيار الماضي نشرت مادة صحفية تحت عنوان: «السادة المثقفون.. لهذه الأسباب سأخونكم « جلبت عليّ غضباً وعتباً من فريق من الأصدقاء والزملاء وتهنئة من فريق آخر لا أشك مطلقاً في حسن رأيه وصوابيته. لن أدخل في تفاصيل المادة السابقة, ويمكن للمهتمين العودة إليها في أرشيف الثورة, لكن رداً مهذباً لزميل مهذب, وتحقيقاً نشر مؤخراً في إحدى صحفنا المحلية حول المراكز الثقافية أغرياني بالعودة للخوض في الموضوع, فهل تسمحون؟!‏

أعتقد أن الجوهر المقصود في مقالتي الماضية لم يصل كما أردت, وفقاً لردود الفعل, لقد قُزّمت الغاية التي صوّبت عليها – عن قصد أو غير قصد – فدارت الردود حول محيط العملية الإبداعية, ولم تتوجه إلى النواة التي نسجت حولها سطور مقالتي! تحدثت عن المثقف العضوي وارتباطه بقضايا المجتمع, والمناضل في سبيل تغيير العقول وتوسيع الآفاق بخلاف المثقف التقليدي, كما ذكرت معايير وضعها مفكرون ومثقفون حقيقيون للمثقف وتساءلت: كم مثقفاً بيننا وفقاً لتلك المعايير؟‏

رغم أن بعض العاتبين أو الغاضبين وافقوني الرأي بسيادة الجمود والبرد والفراغ في معظم الفعاليات المنعقدة في معظم مراكزنا الثقافية, إلا أنهم تطوعوا للدفاع حيث لا جدوى, فنحن في معركة واحدة – على ما أعتقد – ضد التسطيح وإفراغ العملية التثقيفية من مضامينها, قد تختلف طرقنا لكننا جميعاً نريد الأفضل!‏

سوف أسأل: ما الغاية الحقيقية من إشادة المراكز الثقافية على مساحة الوطن وإنفاق ملايين الملايين؟ أليس المقصود تحويل تلك المنشآت إلى منارات للعلم والمعرفة والتنوير, ومحاولة رفع السوية الثقافية, وتغيير بعض العادات الاجتماعية للمجتمعات الأهلية المحيطة بها, في بعض المراكز لم أجد بين الحضور امرأة واحدة, بل جمع من الرجال المثقفين والأدباء جاؤوا يناقشون أديبات مشاركات حول حرية المرأة, ونساؤهم قابعات في موائل الزوجية الرصينة! وقد استنكرتُ على بعض أبناء تلك المدن والقرى ألا يبادروا إلى خرق السائد المألوف, مع أن النساء هناك يخرجن إلى المقاهي والمطاعم ! فماذا فعلت المراكز الثقافية هناك؟ هل تحدثتْ عما يلائم الجمهور حول طب الأعشاب والطب البديل والبرمجة العصبية اللغوية وغيرها من المحاضرات التي يدور بها أصحابها على المحافظات؟! ما الذي فعلته المراكز الثقافية في بعض المناطق التي كنا نسافرإليها ولمسافات بعيدة, لنجلس وقتاً طويلاً بانتظار أن يقضي بعضهم واجباً..., رغم أن موعد الأمسية واضح ومعلن في السادسة أو السابعة, وهم يعلمون أننا نساء, وسنصل بيوتنا منتصف الليل؟! أم أننا من طينة مختلفة؟‏

ثمة إجماع على أن ازدواجية تبعية المراكز الثقافية لوزارتي الثقافة والإدارة المحلية تسيء للوظيفة المرجوة من إنشائها, فماذا فعلت الوزارتان؟ لماذا لا تُحدَث هيئة عليا مستقلة لهذه المراكز وقد تجاوز عددها في القطر 465 مركزاً ؟ أنفقت الملايين لبناء كل تلك المراكز, فلماذا لا تسعى الجهات المعنية لاستثمارها بطرق حديثة, وقد سرت حمى الاستثمار في كل مرافق الحياة السورية العصرية ؟‏

قبل أيام قليلة تحدث الشاعر المعروف هنري زغيب عن الكتاب المسموع المتحرك, بعد أن ملّ المتلقي كل الأساليب التقليدية في القراءة والمتابعة, فبالإضافة إلى الديوان الشعري المتعارف عليه بشكله التقليدي, قام زغيب بتسجيل صوتي للقصائد على شريط dvd استخدمت فيه التقنيات الحديثة, فإذا بأبيات الشعر تتراقص وتتماوج مترافقة مع موسيقا عالمية مختارة! إنها طريقة للفت انتباه المتلقي الذي اختطفته الفضائيات وشبكة الانترنت, ومع كل ذلك ما زلنا ندور حول ذات الأسئلة دون محاولة جادة ومخلصة لتحديث عمل المراكز الثقافية!‏

إن هذه الطريقة التقليدية في إقامة الأمسيات الأدبية والمحاضرات باتت دون جدوى, ولن تنجز المطلوب منها, فلتنظروا إلى تجارب العالم في هذا المجال, فمن المعيب أن تبقى كل تلك المنشآت واجهة ليس إلا وجداول نشاطات مكرورة!‏

حاولوا كسر الجليد الذي يسور جنباتها! قرروا وبجرأة أن كثيراً من القائمين على مراكزنا الثقافية لا تعنيهم الثقافة كثيراً أو قليلاً, ولا يحملون هماً أو مشروعاً ثقافياً! اعترفوا أن كثيراً من المتواجدين كمدراء لها حظيوا بها كجوائز ترضية كرمى لعيون هذا وذاك! في كثير من الفعاليات التي شاركت بها سابقاً أو حضرتها غاب /ت مدير/ة المركز الثقافي ولم يكن هناك سوى مستخدم ينتظر خروجاً سريعاً لبضع أشخاص ليقفل الأبواب ويعود إلى بيته مطمئناً!‏

كل معطيات الحياة من حولنا تتغير, فلماذا نتوقع أن تبقى الثقافة بعيدة عنها وهي الأهم والأعمق في حياة الأفراد والمجتمعات! قيل: في أمريكا لا يكاد يخلو بيت من كتاب « النبي» لجبران خليل جبران, وحين سئل هنري زغيب عن السبب قال: لأن جبران قدم إليهم من المستقبل, أي أنه سبق عصره! إن كان لأدبائنا أن يخلدوا فيجب أن يأتوا من المستقبل لا من الماضي!‏

في عالم تسوسه وتسوده ثقافة الصورة, ألا ينبغي التنبه ولو قليلاً للأمر لتسويق المنتج الثقافي؟ يؤسفني أن أقول إنه ورغم كل الانفتاح في الوسائل التقنية والبصرية, لم يؤدِ ذلك بنا إلى انفتاح في التفكير والنفس, فما زلنا نفكر بعقول القرون الماضية مستخدمين عصر الصورة وتقنياته لتكريس تلك الأفكار وتلك العقول, وبدل الانفتاح تمترسنا خلف محمولاتنا الموروثة, وثمة دوماً متطوعون للقتال ضد الجديد والحديث والأكثر انفتاحاً, وجعبة التهم مليئة بكل السهام اللازمة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية