تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الحدث السوري وقصة العالم في اختياراته الكبرى

شؤون سياسية
الأربعاء 27-6-2012
بقلم: د. أحمد الحاج علي

يفترض علم الإعلام بحدوده النظرية والتطبيقية أن يرفع من التداول في التوصيف والتحليل صيغتين لهما خاصية الاستبداد مع الأسف حتى الآن ، صيغة تجاوز الحقائق والأعماق والاكتفاء بما هو ظاهر على السطح من كلام ومن توظيفات والخطر من ذلك هو المتمثل في إعطاء فرص متتالية لنمو الحقائق السلبية في العمق بكثير من الارتياح والتسلل المنتظم

في حين يكون الانجذاب عاطفياً ومظهرياً على الوقائع التي تنتشر والتي يجري اللهاث خلفها بطريقة ضبطها شكلاً وعدم التنبه إلى مصادرها وقواها وسياقها التاريخي ومهامها القائمة أو الكامنة .‏

والصيغة الثانية تنحصر في إطار الحديث الإعلامي عن مظاهر في حين أن الذي يجري هو ظواهر وكل ظاهرةهي عمق وأبعاد واستدامات ولكل ظاهرة مظاهرها ولكن المظهرالمجزوءمهما كان مدوياً ليس هو القضية وليس هو المجرم فالقضية والمجرم ثاويان في العمق يبنيان حيثيات لها عمر ولها مراحل ولها أنياب وأظافر تستغرق المسافة ما بين الكلمة الإعلامية وقتل الروح البشرية التي حرم الله قتلها .‏

هذه ليست أفكاراً نظرية بل هي من موجبات الحال وحينما تأخذ القوى المعادية بمنطق العمق والظاهرة واستدامةالفعل الإجرامي ، عندها لا يحق لنا لا بالإعلام السوري ولابأي موقع إنساني أن نكتفي بتطويق المظهر الدامي وصب اللعنات على المجرمين واستمطار الرحمات للذين قضوا وللذين ينتظرون على الدور لكي يقضوا غداً أو بعد غد ، والمسألة في أبعادها الكبرى صراع حقيقي بين توجه نحو العمق لا يتجاوز الأفق ودوران في المكان والزمان يؤدي الصرخة ثم يتهيأ لما بعدها من الصرخات ، بالمحصلة إن ما يحدث في سورية هو صراع انساني حضاري تاريخي شامل ولقد أطلقتها قوى العالم كله بأن الدنيا بعد الحدث السوري ستكون مختلفة تماماً عن الدنيا فيما قبل الحدث .‏

ولعلنا سمعنا شهادات العدو والصديق بهذا الخصوص ، كان آخر شاهد حي وحيوي على هذا المنطق ما قاله الرئيس فلاديمير بوتين - وللعلم فقط فإن بوتين هو رئيس اتحاد الجمهوريات الروسية- حيث أكد بأن سورية صارت مصدر تقاطع العالم كله وبأنه على الطريقة التي تتم فيها معالجة الحدث السوري سيتحدد مصير العالم الراهن كله ، بمعني النظام العالمي المتوقع ، واصطفاف قوى العالم في علاقاتها مع بعضها ، والإطارات الكبري للقيم الإنسانية عبر السلام والتعاون الأممي وانتشار المدى الديمقراطي والعمل على إيجاد نظام سياسي عالمي جديدأساسه التكامل والتفاعل ومواجهة التحديات الكبرى بدلاً من نظام استعماري عالمي ما زال مخموراً بمخدرات وعجائب القرون الاستعمارية الماضية والتي كان آخر موجة استعمارية فيها الولايات المتحدة الأميركية والتي كان آخر مبتكرات هذه الاستطالة للقرون هو دور قميء مقرف لمجموعات أخذت شكل العرب وأخذت مهمة قتل العروبة ولا بد أن نستوعب هذه الحقيقة فهي ليست مذهلة وإن كانت شيطانية وهي ليست لغزاً وإن كانت مموهة وممولة بالمال الحرام والفكر الإسلامي المختطف والنبوءات المزيفة لقصة الديمقراطية في العالم التي يجب أن نستوردها معلبة من عواصم في الغرب.‏

هي ليست مصدر الشر ولكنها الشر ذاتة ، ولعلنا في استطراد ضروري إنما يجب أن نندمج بهذا العمق فيما يحدث ونلتقط العلاقة العضوية بين الظاهر والباطن وبين المرحلي والاستراتيجي وبين الراهن والمستقبلي وبين الدور والبنية التي تنتج هذا الدور ، إن السياسة والرأي العام الوطني والقومي معاً هما منطق وليس فناً ومن خصائصهما الرد على العمق بالعمق وعلى الظواهر المدانة بتحديد قواها واستشراف ما سوف ينتج عنها .‏

وفي مسرى ذلك كله لا بد لنا كأفراد وكنظام وكقوى شعبية أن نبني منهج العمل والتعامل مع الحدث السوري الكوني الراهن باعتبارين أولهما أن إزالة سورية إنما تعني تحطيم قيم الوطن وتدمير ذاكرته التاريخية واستبعاد منطق راسخ متجذر هو الذي حفظ للعرب وجودهم وكرامتهم وأقنع العالم الاستعماري الغربي بأن سورية ولربما الأمة السورية تبعاً لمنطق شركائنا في الحزب القومي السوري الاجتماعي هي الحد الفاصل والخندق العازل بين مشروعين تاريخيين مشروع الغرب الاستعماري بكل أعماقه الزمنية وبكل تجلياته الخادعة وبكل زمالته التاريخية للصليبية والصهيونية والطورانية والماسونية والرجعية العربية عبر دورها الذي لم نكشفه حتى الآن وبين مشروع إنساني خصب أساسه سورية وموقعه الجغرافي في سورية وقواه الاستشهادية والنضالية والعلمية سورية وبهذا المعنى فإن سورية كما يكشف الحدث الراهن هي الرد على منطق استعماري صهيوني قديم متجدد وحينما تكون رؤيتنا الدائمة على هذا النحو فإن سلوكنا وأداءنا لا بد أن يكون على هذا المستوى ويجب أن نعلم جميعاً بأن الانقسام الراهن ليس في سورية وإنما هو على سورية ، وهنا يأتي دور المشروع الثاني التاريخي وهو أن سورية الوطن بكل أبعادها هي الهدف الأهم الآن والوسيلة لتدمير هذا الوطن هي أحقاد متراكمة واصطفافات مريبة وأسلحة من كل صنف في المعركة الراهنة وحينما يخون القيم الوطنية والشرف العسكري طيار رعيناه وصرفنا عليه الملايين فذلك لن يكون مجرد سلوك فردي فالطيار الهارب الخائن هو صاحب الدور في قتل نخبة الطيارين في سورية وهو مجرد خادم ساقط لأوامر غربية صهيونية رجعية ولكن المعنى الأعمق هو أنه لقطة ساقطة في مشروع استعماري لم يتوقف ولن يتوقف.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية