تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


معادلة مصرية!

منوعات
الأربعاء 27-6-2012
سهيل إبراهيم

أغلبية العرب، وربما معظم العالم شرقاً وغرباً، كانوا يسألون في الأسابيع الفائتة، كل لأسبابه ومصالحه: إلى أين تذهب مصر وسط هذا الصخب الذي يجتاح شارعها العريض؟؟

وماذا ستفرز هذه الفورة الانتخابية التي تتحرك على إيقاعها كل التيارات السياسية المصرية، التي وجدت فرصتها في الخروج إلى النور بعد الخامس والعشرين من كانون الثاني 2011، وهل تستطيع الكتل الثورية المبعثرة من قوميين وليبراليين وعلمانيين ويساريين، أن تملأ المشهد المصري، وتعصم سفينة الخامس والعشرين من كانون الأول من أي جنوح، أم أن القوة المتربصة بالثورة من تيارات ظلامية، هي الأقدر على اختطاف هذا المشهد، والذهاب بسفينة الثورة إلى وجهة أخرى، كانت قد حددت بوصلتها في الخفاء، في صفقة العصر التي صارت رائحتها تزكم الأنوف، بين هذه التيارات وعواصم الغرب الاستعماري وفي مقدمتها واشنطن، التي مازالت بالحسابات الباردة مركز ثقل الكون، قبيل اتضاح شكل النظام العالمي الجديد، وأقطابه الذين يتسلقون القمة هذه الأيام، على إيقاع الأزمة السورية الدامية!‏

ومن المبكر جداً أن يعتقد أحد، أن صعود الدكتور محمد مرسي الرمز المعلن لتيار الإسلام السياسي، إلى رأس هرم السلطة في مصر، قد أجاب عن كل هذه الأسئلة، وأن مصر قد وقعت أخيراً في قبضة جماعة تعمل منذ ثمانين عاماً من أجل هذه اللحظة الثمينة، وتقدم على المسرح السياسي العربي عموماً، استعراضات القوة والمسكنة، مرة بأسلوب الاغتيال الذي لا يرحم، ومرة بأسلوب التقوى ومناجاة قيم العدل والحرية، عندما تتحسس مناخات غير مواتية لها، كانت تقود أنصارها في كثير من الأحيان إلى السجون والمعتقلات، لكنها وهذا اعتراف لها، ظلت على مدى كل العقود السابقة الكتلة الأصلب، والقوة المنظمة المنضبطة، التي تستطيع أن تحشد في الشارع المصري وبعض شوارع العرب الأخرى، والتي تستطيع أن تستولد من مداجنها السرية، كل تشكيلات العنف التي أرهبت المنطقة والعالم على مدى ثلاثة عقود أو أكثر!‏

رغم ذلك، فإن حال مصر اليوم لا ينبئ بأن كل شيء قد حسم، وأن اعتلاء الدكتور مرسي كرسي الرئاسة في أم الدنيا قد أدخل مصر وربما المنطقة العربية في حقبة جديدة، عنوانها الإسلام السياسي، وأن المثال السياسي التركي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية في أنقرة ، صار الأنموذج المحبب للمنطقة العربية، في الرؤية الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة الأميركية، نقول رغم ذلك فإن حال مصر اليوم يشي أن فرصة القوميين والليبراليين واليساريين مازالت الأكثر واقعية، وأن النسيج السياسي لهذه القوى دفع مؤقتاً ثمن تفككه وتشرذمه، لكنه لم يخرج من المعادلة، وصدمته اليوم بإيصال الجماعة أحد رموزها إلى كرسي الرئاسة سوف تشكل حافزاً له للعودة من جديد إلى ميدان تحرير جديد، تظهر فيه أحجام القوى على حقيقتها، وخصوصاً أن التجربة الديمقراطية المصرية قد بدأت الآن، واختبار الانتخابات التشريعية القادمة سوف يكون مفصلياً ينفي أو يؤكد أن ميزان القوى لا يمكن أن يميل إلا لمصلحة تيارات التنوير في بلد يشع فيه نور الحضارة منذ أول فرعون اعتلى عرشه إلى أيامنا الحاضرة، فكيف يمكن التصديق أن هذا البلد الذي يشكل مركز ثقل الوطن العربي الكبير، قد التحف الظلام وعاد بمصيره ومصير أمته مئات السنين إلى الوراء، وأسلم قياده لمنتج سياسي ظلامي حظي اليوم بالبركة الأميركية، بعد أن وقع مع إدارتها على عهد الوفاء!‏

مصر لم تنتحر بخياراتها، بل بدأت باسترداد روحها، ولكن على طريقتها ، بهدوء الواثق أن نبضها القومي هو الأقوى والأفعل في قلوب المصريين!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية