تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بحث في بدايات الحضارة الأولى

كتب
الأربعاء 19-8-2009م
يدعي النظام العقلي أنه أحدث «ثورة» على النظام الأسطوري وولد النظام العلمي، وهذا الادعاء غير صحيح.. ولكنه يضعنا بإزاء ثلاثة أنظمة حول علاقة ا للغة بالفكر هي: النظام الأسطوري،

الذي قد يسمى أحياناً بالنظام الاستعاري أو الشعري يتطابق الدال والمدلول والاسم مع المسمى والكلمة والشيء، و في النظام العقلي، أو الكنائي أو الفلسفي تخضع الكلمة لمنظومة الفكر أو المنطق أو الوعي أو النفس ولكي يوجد الشيء ينبغي أولاً أن يوجد في إحدى هذه المناطق ليتحقق بعد ذلك في اللغة، وفي العلم.‏

ينبغي أن يوجد الشيء في الواقع الخارجي أولاً، ويحس به تجريبياً أو مادياً أو مختبرياً، لكي يصرح له بحق الوجود في اللغة.‏

ينتمي التاريخ بمعناه التأملي إلى النظام الثقافي الثاني، إلى النظام العقلي والكنائي، فهو تأمل فلسفي في آليات اشتغال العقل التي يفكر بها في ذاته، على حد تعبير هيغل، فيلسوف التاريخ الأكبر مع بداية القرن العشرين، صار «التاريخ» يطالب بالانتقال من مرحلة دراسة «الخبر» إلى مرحلة دراسة «الأثر»، أو بعبارة أخرى صار يريد أن يكتفي بتقرير حدوث الوقائع عملياً وحيادياً بمعزل عن النظام العقلي والمنطقي.‏

في البداية قوبل «علم الآثار» باستخفاف المؤرخين العقلانيين فوصم بأنه «علم القمامة» أي علم هذا الذي ينكب على دراسة مزابل الشعوب القديمة وفضلات المجتمعات الموصومة بالبدائية؟ ماذا يبقى من «كبرياء» التاريخ، إذا انصرف إلى التأمل في الجرار والأقداح والفؤوس والألعاب، والآجر من مخلفات شعوب بادت واندثرت؟ كان هيغل يصف نابليون بأنه «وعي العالم على جواد» فهو اختصار التاريخ في الرجال الذين يصنعونه فأي «كرامة» تبقى للتاريخ إذا انحط إلى علم لقمامة الشعوب البدائية؟.‏

يعني هذا الكتاب «الحضارات الأولى..الأصول.. والأساطير» بأصول الحضارة أي بالحضارات التي تشكلت في سبع مناطق في العالم، حضارات أصيلة بعضها مثل سومر ومصر سابقة على اليونان، وبعضها مستقل عنها تماماً مثل حضارة وادي السند وحيث شانغ والحضارات الأميركية الثلاث: الآزتيك والمايا وبيرو.‏

وفيما يتعلق بالحضارات الأربع الأولى في سومر ومصر والسند والصين يلاحظ المؤلف أنها نشأت في وديان أنهار، فالحضارة السومرية ظهرت في الجزء الجنوبي من العراق بين دجلة والفرات وظهرت الحضارة المصرية في حوض وادي النيل، وظهرت حضارتا موهينجو- دارو وهرابا على ضفاف النهر الأصفر، فهل من علاقة ضرورية بين الأنهار والحضارة؟‏

يجيبنا المؤلف بأن الحضارة ليست وليدة الزراعة على الإطلاق، فقد ازدهرت الزراعة الأولى قبل ظهور الحضارة السومرية، التي هي أقدم الحضارات في رأيه في أريحا والأناضول وشمال إيران بآلاف السنين وإذا كانت الحضارة تدين بشيء فليس للزراعة بل للبناء والعمران.. وبالطبع ليس المقصود بالبناء هنا بناء البيوت والمنازل بل بناء المدن وفي رأي المؤلف إن من مقومات الحضارة وجود عنصرين من ثلاثة عناصر: المدن والكتابة وساحات الاحتفال العامة، لابد للحضارة من نظام كتابي تستعمله للتدوين ومدينة لايقل سكانها عن خمسة آلاف نسمة، وساحات احتفالات يتجمع فيها السكان في المناسبات العبادية أو الاجتماعية، لكن الأهم في رأيه هو مايسميه اتحاد المدن، أو تفاعلها الذي من شأنه أن يفضي إلى تكوين «دويلات المدن» و«اتحاد المدن» فكرة شديدة الشبه بفكرة العصبية عند ابن خلدون، وكما تدفع العصبية القبائل البدوية في المجتمع البدوي إلى الاتحاد لتكوين عصبة أو سلالة كذلك يدفع اتحاد المدن المجتمعات الحضرية الأولى إلى الاتحاد في عصبة مدنية لتشكيل «دولة المدينة».‏

الحضارة إذاً هي ابنة المدينة والكتابة، وهذا الكتاب هو رحلة في الأطوار التكوينية الأولى لأقدم سبع حضارات، لم يعثر عليها علم التاريخ بأهراماته الفلسفية التأملية، بل عثر عليها علم الآثار الذي وصم أنه «علم القمامة» مستخدماً الفأس والمجرفة.‏

يقدم هذا الكتاب خلاصة نقدية وجيزة لتكون الحضارات السبع المذكورة من وجهة نظر علم الآثار وصلاتها المحتملة ببعضها والاتصال بينها، الكتاب مكون من ثمانية فصول (الوحشية والبربرية والحضارة) اكتشاف الحضارة الأولى (السومريون وأصل الحضارة) مصر ووادي السند (الصين حضارة النهر الأصفر) اكتشاف الحضارات الأميركية (علم الأثار وتطور الحضارة الأميركية) (علم الآثار وأصول الحضارة).‏

الكتاب: الحضارات الأولى الأصول والأساطير. - المؤلف: غلين دانيال - ترجمة سعيد الغانمي صادر مع مجلة دبي الثقافية ويوزع مجاناً /قطع صغير في 256 صفحة2009.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية