تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تشــــرق هنــا .. تغــرب هنـــاك

آراء
الأربعاء 19-8-2009م
حنان درويش

خيال هو أم حقيقة؟!.. حضور أم غياب؟!.. نفي أم تأكيد؟!.. ثبات أم تحول؟!.. أدخل في ملابسات التوجس. تأخذني عوالم الأسطورة، أغوص في حيثيات التقاطعات والتعاريج المصنوعة من أبنوس الحلم الممطر فوق النحور،

فوق الشعور ماساً ولؤلؤاً، وذهباً خالصاً، يعج به المساء في ردهة فارهة تستقبل الوافدين بتحيات بالغة التكلف. هذا يحيي بإيماءة عابرة، وتلك بابتسامة ذات وميض. وذاك يرفع قبعته وينحني ليقبل يداً ناعمة. المكان وردي الزوايا، يحتضن أصصاً من بلور مصقول، راحت عيناي تجوسانه بقلق بالغ، علني أحوز هدوئي الذي نشدت. سألت صديقتي همساً:‏

- «بحق السماء.. أين نحن؟»‏

ضحكت صديقتي وقالت:‏

- «في أرض الأحلام السعيدة».‏

أطلقت جملتها وانسحبت إلى شلة تبوأت صدارة ذات أحوال، كل العروش، كل الرؤى، كانت لها فوق أرض التناقض المنذور لقانون الربح الأكيد. أقراص حلوى وشراب وأمزجة مفخخة النوايا، يتهاداها الموجودون، ابتسامات رصيدها في بنوك العالم يوازي عدد الأطفال الذين يموتون جوعاً وقتلاً وقهراً فوق خارطة مزركشة الأجواء، لا يزال القاتم فيها يغيب الناصع، ويعلن الباطل رمزاً للمساومة على أرواح المعذبين.‏

أتتني البطاقة.. كانت مذهبة، مذيلة بتوقيع. مثل هذه البطاقات ينجز كل يوم، ويوزع كل يوم بغير حساب.. حفلات زواج. حفلات نجاح. حفلات طلاق. وأخرى للصداقة، والحب، والتعارف.. أو ربما من أجل توقيع كتاب. تتملكني رهبة وهزيمة وانطواء. أسر لذاتي:‏

- «حتى الأدباء موزعون على ضفتين!».‏

مساكين أولئك الذين يزرعون المر ويحصدونه ثم يبيعونه كي يتمكنوا من طباعة رواية أو قصة أو ديوان شعر. وعندما يخرج هذا الوليد الغالي من دار النشر، لا يجد أحداً يقول له: - كيف حالك؟ يتجاهلونه عن عمد، ولو حوى بين دفتيه روائع الدر، وكان مؤهلاً لنيل جائزة نوبل، ويركضون خلف آخر له حظوة وجاه، عساه يفيدهم في الوصول إلى مرتبة من مراتب الحياة.‏

رجال أعمال. ممثلون. مفكرون. مسؤولون. شخصيات لامعة.. تجملوا. تزينوا. تقلدوا أحلى العبارات، وقدموا إلى الفندق للمباركة، وإهداء أحلى التمنيات. فالمحتفى به واحد من المرموقين ضمن الوسط المخملي، وله باعه في زحمة الكتّاب المنتشرين طولاً وعرضاً على الساحة. رحت أرصد حركاته وسكناته. أتابعه عن بعد، وأرى تملق الآخرين له، وتماهي الذين يحفل الامتداد برائحتهم، ولغوهم، ولغطهم، وكثافة أرواحهم. يعقدون صفقات، ويتداولون رهانات، والتغطية اليوم هي «توقيع كتاب جديد تحت قبة بخمس نجوم» والنجوم تلمع في خواء المسافات الشاسعة، لا تضيء سوى دائرتها فقط. تبعثر أنوارها الخلبية فوق ذاك الوجه، وذاك الوجه، وتسحب زخمها عن بقية الوجوه. الملامح هناك ليست سواسية. سل الأصابع تنبئك مساماتها عن رمزية الانتماء. عارمة تلك القاعة بالمتناقضات، تشرق هنا وتغرب هناك. وكل في فلك يتوه. ومن لا يحسب لخطوته مستقراً، يغيبه باب الخروج الدوار.. فلا يدري أين هو، ولا أين صديقه صار.. هل الأرض ابتلعته، أم طفح به الإناء، وهوى إلى قاع بئر، راح يبحث فيها عن هويته الضائعة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية