والسير بها إلى أمة موحدة تقودها حكومة مركزية قوية تؤسس لنموذج جديد للحكم الوطني في ظروف صعبة في ظل انتشار نحو 90 ألف جندي أجنبي.
على حين أن استطلاعات الرأي المتوافرة تشير إلى أن الرأي العام الأفغاني يريد رئيساً يقدم أسلوباً وإنجازات أفضل لتحسين الحياة اليومية.
لقد سعت الولايات المتحدة منذ احتلال أفغانستان إلى إعطاء العملية الديمقراطية شرعية دولية عبر توطيد حكومة مركزية تمسك بزمام الأمور ، لكن هذه الحكومة شكلت خلال السنوات الثماني الماضية سرباً منفرداً، غرد الشعب الأفغاني بعيداً عنها.
وفي الأسبوع الماضي كتب روبرت كابلان في صحيفة ذي أتلانتيك، وهو الباحث في مركز الدراسات الخاص بالأمن الأميركي الجديد، أن ما تشهده واشنطن اليوم من طريق مسدود بعد ثمانية أعوام على احتلالها أفغانستان ، وخسارة ما يربو على 4 آلاف جندي أميركي في العراق ، جعل إدارة أوباما تفضل الاستقرار على فرض الديمقراطية هناك، قبل أن تجد نفسها مرغمة على وضع نهاية للمغامرة العسكرية، إذ لا يمر أسبوع من غير سقوط عشرات القتلى والجرحى في القوات الأميركية والأطلسية، وجاء في مسودة تقرير الناتو عن الحرب هناك أن قوات الحلف تحتاج إلى مزيد من الجهود لإيقاع المتطرفين في الهزيمة، وهذا يعني أن ثمانية أعوام من الحرب لم تكن كافية لهزيمة الشعب الأفغاني ، سقط خلالها آلاف الضحايا ، وخسرت القوات الدولية مئات من جنودها غير الأموال، ولا تزال هذه القوات تقول إنها تحتاج إلى مزيد من الوقت لتحقيق الأهداف التي أعلنتها واشنطن ولندن تبريراً للغزو، فالقوات الدولية التي لم تتمكن من تحقيق الديمقراطية ونشر التنوير وإخراج الشعب الأفغاني من الظلام كما لم تتمكن من القضاء على الإرهاب وقواعده ، فالخطر لا يزال جاثماً . وتجدر الإشارة إلى أن أفغانستان خضعت في تاريخها لامبراطوريات عديدة لم ينجح أي منها في فرض حكم مركزي فيها وكان الشعب الأفغاني ينقسم دوماً على التبعية لحكومة مركزية، مع أنهم أي الأفغان ، يتلاقون على طلب الاستقلال ومن هنا فإن أفغانستان لن تعرف الاستقرار حتى بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 20 آب الجاري وهي الانتخابات الثانية فقط في تاريخ أفغانستان ، ومن المعروف أن الاستراتيجية الأميركية التي بشر بها الرئيس باراك أوباما مع توليه الرئاسة ، وترتكز على القضاء على حركة طالبان والقاعدة ونشر الديمقراطية على النمط الغربي بدت عاجزة عن حماية نظام حميد كرزاي، ولن يكون حظها أفضل مع النظام الذي ستجلبه الانتخابات القادمة ، كما أن هذه الانتخابات لن تنقذ واشنطن من كوابيسها في ظل تراجع ثقة الأفغان في وعودها في إنهاض الاقتصاد الأفغاني ، وكذلك تخليها عن جهود إعادة الإعمار، وترك بلادهم تتحول إلى ساحة قتال وذبح واتباع سياسة الأرض المحروقة.
ويعتقد البعض أن الانتخابات ستكون محسومة لكرزاي، بالنظر إلى فشل العمليات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة وبريطانيا والجيش الأفغاني لتأمين المناطق الواقعة تحت سيطرة طالبان للسماح بدخول اللجان الانتخابية إليها، إضافة إلى اصطدام القوات الدولية بالتضاريس الشديدة الوعورة في بلد شاسع المساحة، ما أتاح لطالبان الإبقاء على نحو 75% من الأراضي الأفغانية مغلقة أمام قوات التحالف.
ومع أن الحكومة الأفغانية أعلنت أخيراً أنها أبرمت اتفاقاً مع طالبان في بعض المحافظات كي لا تقوم بتخريب الانتخابات ، إلا أن المتمردين الأفغان هددوا بحسب تقرير للأمم المتحدة بالإضرار بالاستعدادات الانتخابية ، ما سيجعل أعداداً كبيرة من الناخبين يحجمون عن التصويت ، إذ إن التخويف والخوف الناجمين عن التهديد يخلقان ظرفاً من التردد في المشاركة بالحملات الانتخابية أو التصويت وربما الإحجام عن خوض الانتخابات ، ولفت التقرير إلى المخاطر التي تواجهها الناخبات والمرشحات ، لأن طالبان وجماعات أخرى تعارض مشاركة النساء في الحياة السياسية، علاوة على أن طالبان ناشدت الأفغان بمقاطعة انتخابات 20 آب ، وأعلنت أنها ستعمل على تخريبها.
وقد مهدت الولايات المتحدة للانتخابات بتحركات كثيفة لإحراز نصر ميداني، وجاءت تصريحات الرئيس أوباما باستعداد إدارته للتحاور مع عناصر معتدلة من طالبان ، وفي مقابلة مع صحيفة لوفيغارو الفرنسية صرح وزير خارجية فرنسا برنارد كوشنير في تناغم مع واشنطن ، استعداد بلاده التعامل مع طالبان إذا وصل عناصر منها إلى السلطة خلال الاقتراع واحترموا الدستور، مادام الشعب الأفغاني قد انتخبهم.ويعد كثير من المرشحين أنفسهم ممثلين لمصالح الشعب الأفغاني ، على حين يعملون لمصالح جماعات عرقية أودينية ، كما يحتمل أن يلقى كثير من الناخبين ضغوطاً للتصويت لشخص من جماعاتهم العرقية، ويمكن أن يعمد المرشحون إلى اختيار نائب لهم من جماعات عرقية أخرى لزيادة عدد الأصوات في مصلحتهم، وستتسم الانتخابات بأنها ستكون بعيدة عن أي إجماع قوي بسبب تعرض أفغانستان إلى الحروب على مدى عقود.
ويرشح عن مصادر إعلامية أن ثمة نية بالإطاحة به في الانتخابات والبحث عن بديل قوي يمكن أن يساهم في حل الورطة التي غاص فيها الجميع، وخاصة بعد تحدث الإعلام الأميركي والبريطاني عن خطط وصفتها واشنطن ولندن لتغيير الحكم في أفغانستان وإضعاف الحكومة المركزية فيها، والتوجه إلى الشخصيات القوية المرغوب فيها لتمرير الموارد من خلالهم في إشارة إلى حكام الولايات الـ 43 في أفغانستان ،علماً أن ولاية كرزاي انتهت منذ أيار الماضي، ولم تجر الانتخابات في حزيران ، بل أجلت إلى 20 آب الجاري بسبب الأوضاع الأمنية، وعدم توافر الأموال اللازمة لإجرائها.