وهو يوقع أوامر تنفيذية من أجل إعادة دفة التوازن لصالح الانفتاح داخل الحكومة لينقل بذلك حماية سرية المعلومات عن كاهل الذين يقومون بجمعها إلى أولئك الذين يعملون على تصنيفها وربما يضطر الرئيس الأميركي إلى انتهاج السياسة ذاتها ليس فقط لأنها جزء من الإرث الذي تركه له الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش.
بل لأنها رغبة بيروقراطية متأصلة يقول توماس جيفرسون: (المعلومات عملة الديمقراطية) ولقد احترمت الولايات المتحدة الأميركية هذا المبدأ ولأجيال طويلة وهي تؤمن بما يؤمن به وزير خارجيتها السابق هنري ستمبسون عندما قال: الرجال الشرفاء لايتلصصون على بريد غيرهم.
وعليه لم تعمل أميركا على تكوين خدمات استخباراتية حتى الحرب العالمية الثانية والتي تلتها الموافقة على قانون الطاقة الذرية في العام 1946 والأمن القومي في العام 1947 حيث أقر آنذاك بأن هناك نوعاً من المعلومات يجب أن يصنف بمعزل عن غيره، إلا أن هذا لا يعني أن هناك عملية رسمية لتصنيف المعلومات حسب سريتها، وتعتبر الحرب العالمية الثانية المسؤول الأول عن وجود مايسمى بوزارة الأمن القومي اليوم بعد أن تحطمت قيمة الانفتاح بسبب الخوف وتقلصت صلاحيات قانون سرية المعلومات الذي وصفه الرئيس الأميركي السابق جونسون وطبقه كل من جيمي كارتر وبيل كلينتون على يد الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش و خاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول ولحماية الرؤساء السابقين بما فيهم جورج بوش الأب- أعطى بوش الموظفين السابقين الحق بالاحتفاظ بسرية ملفاتهم بعد ترك الخدمة، وهو نفس القانون الذي صادق عليه أوباما الشيء الذي يدمر مصداقية التاريخ.
إن توقيع أوباما لن يشفي بين عشية وضحاها داء البيروقراطية المزمن بعد أن انتقلت عدوى مرض السرية إلى كل المؤسسات الحكومية، إذ يحتوي أرشيف الأمن القومي بجامعة جورج واشنطن على خمسة ملايين رسالة الكترونية تخص إدارة بوش ووصلت العدوى العام الماضي إلى شعبة الخزينة المركزية التي تعمل جاهدة لتطبيق مبدأ الشفافية، لتكشف الحكومة عن الكيفية التي أنفقت فيها 700مليار دولار كان يفترض أن تضخ من أجل إنقاذ النظام المصرفي في غضون أشهر قليلة، ويتفق العقلاء على أن معلومات الأمن القومي المهمة مثل (مصادر وطرق جمع المعلومات الاستخباراتية يجب أن تحاط بسرية تامة) إلا أن لجنة الحادي عشر من أيلول أقرت بأن 75٪ من المعلومات التي تم جمعها عن تنظيم القاعدة لم تكن ضرورية وأن 90٪ من المواد السرية التي تم جمعها لن تضر بالأمن القومي حتى في حال تم فضحها عبر الانترنت، ويرى السيناتور الأميركي السابق دانيل باتريك أن السرية ليست فقط ضد الديمقراطية، بل هي الغباء بعينه لأنها تعوق إصدار القرارات المدروسة وتقلل فرص الخيارات الناجحة!
ويضيف قائلاً: لقد أصبحت السرية عملة الحكومة الرائجة بعد أن احتكرت الوكالات الحكومية كماً هائلاً من الأسرار تتاجر بها داخل أسواق المسؤولين المغلقة والتي تعزز ذات الأضرار التي تفرزها الأسواق المغلقة الأخرى، لقد غيمت سحب الأسرار والجاسوسية على سماء واشنطن طويلاً حتى أصبح الوضوح والشفافية ضرباً من الخيال إلا أن أوباما يقول: يجب أن تكون الحكومة واضحة وشفافة بالقدر المطلوب وربما أضاف مقطعاً (السرية للفاشلين)!