أليس هو طريقة وحالة ثنائية باركتها الشرائع السماوية في نصوص مقدسة لتنظيم علاقة الرجل بالمرأة بصورة يسودها المودة والمحبة والاحترام المتبادل دون مهاترات والتفاهم الذهني ومايترتب على ذلك من نتائج طيبة،
تتعلق بالنسل وإنجاب الأولاد: طيور الجنة، حماية للجنس البشري من الانقراض، وهذا يعني أن الزواج وسيلة ذكية تتخذها الحياة عن طريق الحب والعشق والغريزة حماية للجنس البشري والحضارة من الانقراض والتلاشي ولحفظ النوع من أجل استمرار مظاهر الحياة النشطة على سطح الكرة الأرضية.
والذي يعنينا في هذا المقام تفسير ظاهرة عزوف كوكبة من المبدعين الكبار عن الزواج، وايثارهم جحيم الوحدة المنزلية إذا صح التعبير وذلك لأسباب شتى أوردوها في اعترافات صريحة جريئة أفلتتها ألسنتهم غفلة في مجالس عامة أو في مقابلات صحفية أو كما سمعتها منهم، أو لمستها بنفسي نتيجة صحبتي لبعضهم ونسجلها هنا دون رتوش كما وردت على ألسنتهم ولكيلا أتهم بالترويج للعزوبية التي يقول فيها الشاعر اللاذقاني الظريف هنري بيطار:
أخي هاني .. وهل في الناس هاني؟ /رماك الدهر.. ويك بما رماني
فأيام العزوبة ماأحيلى/ وأيام الزواج .. كما تراني لئلا أتهم بتزهيد الناس من دخول الأقفاص الذهبية طواعية، كما يقولون أوعرقلة الانتساب إلى نادي المتزوجين حيث السعادة وراحة البال، أنوه بزيجات رائعة أفادت الحياة الثقافية العربية فائدة عظيمة، كزواج عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين من السيدة الفرنسية المثقفة (سوزان) التي قابلها في باريس خلال تحضيره الدكتوراه فكانت تعلمه اللاتينية والفرنسية وتقرأ له عيون الأدب الفرنسي القديم منه والحديث.
وكذلك زواج الشاعر محمد الماغوط من الشاعرة الموهوبة سنية الصالح المدفونة في قلبه التي وصفها بعبارة (أجمل طفلة في التاريخ) فكانت تزوده يومياً بالطعام، وبالصحف اليومية، وبعلب السجائر وشرابه المفضل وتأتيه بالأخبار خلال تواريه عن أنظار رجال (المكتب الثاني) في الخمسينيات من القرن العشرين باعتباره أحد نشطاء الحزب القومي السوري يومذاك، فأسهمت بهذا التصرف النبيل، دون وقوعه المبكر بأيدي الرجال القساة الذين كانوا يسعون خلفه لإرساله وراء الشمس لتهمة جنائية لاعلاقة له بها، (قضية اغتيال المالكي)..
وفي هذا الشأن فإن اقتران الأديب الدكتور زكي المحاسني بالأديبة اللبنانية المرموقة وداد سكاكيني كان فاتحة خير على الأدب العربي المعاصر ليتابعا حياتهما الزوجية معاً ومسيرتهما الفكرية على دروب الإبداع وأفياء جماليات لغة الضاد، ويتحفا المكتبة العربية بالعديد من الآثار الأدبية والنقدية والقصصية العظيمة.
وفي الوقت نفسه وللأسف الشديد فإن الزواج قد يكون مشؤوماً على الطرفين وقد ينتهي بكارثة مؤلمة دامية، تتناقلها الأجيال ومثالنا على ذلك إقدام الفيلسوف الفرنسي الشهير (لوي آلتوسير) في عام /1980/ على خنق زوجته عالمة الاجتماع (هيلين) بملاءة السرير لكثرة ازعاجها له، مستغلاً نومها وتقديراً لمكانة هذا الفيلسوف العظيم وسمعته العالمية المدوية في القارات الخمس فقد آثرت الصحافة الفرنسية والأوروبية بصورة عامة تجاهل ملابسات هذه الجريمة المروعة واكتفت السلطات القضائية الفرنسية باحتجاز (آلتوسير) في مصح عقلي وبغرفة انفرادية حتى وافاه الأجل المحتوم.
والشيء بالشيء يذكر فقد أقدمت ابنة الأديب عباس محمود العقاد التي كانت أمها السورية الحلبية مقترنة بالعقاد بزواج عرفي غير موثق بالمحكمة الشرعية أقدمت على رمي نفسها من على سطح إحدى العمارات فدق عنقها وتهشمت عظامها عندما اكتشفت أن العقاد بعد رحيلها وورثته لم يلحقوها بأبوته، وكانت الصحافة المصرية قد تناولت هذه المأساة باستحياء وبحذر وبإشارات وعبارات مبهمة غامضة نظراً لمكانة العقاد المرموقة في مسيرة الفكر العربي .
ويؤكد هذه الرواية الأديب المعروف (العوضي الوكيل) وقد سمعتها من الأديبة كريمة زكي مبارك اثناء زيارتها للقسم الثقافي «بالثورة» عام /1996/ حيث أكدت السيدة كريمة استناداً إلى شهادة (الوكيل) أن (عامر العقاد) قام بإحراق وثيقة الزواج، بعدها قام بعرض حفنة من الجنيهات لإنهاء الموضوع فقوبل عرضه المالي بالرفض من قبل الزوجة وابنتها وأسدل الستار إلى الأبد على هذه المأساة العائلية، وبكلمات قليلة فإن الزواج حالة نسبية خاصة فهناك من يسعد بزواجه وتقر عينه به، وهناك من يشقى ويعاني المر والويلات ويعض أصابعه ندماً لكنه لسوء طالعه لايجد أصابعه العشرة لأنه التهمها حسرة في سنوات ماضية دون أن يدري والسلامة لنا ولكم.
والآن نقدم هذه الشهادات التي جرت على ألسنة أعلامنا الكبار ممن آثروا عدم الزواج وهي شهادات ناطقة نابعة من فلسفة حياتية لاتحتاج إلى تعليق:
زكي الأرسوزي : لم أعرض لأسباب شخصية
يقول المفكر العربي الكبير زكي الأرسوزي:
الظرف لم يسمح لي بلادي خضعت للنفوذ الأجنبي زمن الانتداب الفرنسي فكان من الصعب أن يحفظ الإنسان كرامته ويستقل في معيشته عن هذا النفوذ ، كنت بين أمرين الاستسلام لمشيئة السياسة الأجنبية أو البقاء في عزلة منفرداً ، متحملاً المسؤولية وحدي في بعض الأحيان اتساءل فما إذا كان سلوكي هذا منافياً لمشيئة العناية الإلهية ومع ذلك لم أعرض عن الزواج لأسباب شخصية وإنما أخلاقية أما موضوع الحب فقد عرفه قلبي، لقد أحببت أكثر من مرة ولكن حيائي كان بيقيني في أحلامي أنسج الخيالات الجميلة الزاهية دون القيام بالخبرة الشخصية ولذلك كنت أعتبر نفسي مثالاً للحب على اعتبار أن خيالي حي وخصب ونفسي غنية بالعواطف يضاف إلى هذا أني خجول ذلك كله يساعدعلى خلق العاشق لأن الخجل يبعده عن امتحان رأي المحب فيه والعاطفة والخيال يتعاونان على قيام الصورة مقام الواقع وإنشاء الصورة أكمل فأكمل على مقياس المثل الأعلى المنطوي في نفس العاشق وقد كتبت في الحب وكانت كتاباتي مملوءة بالعواطف والحنان والصورالجميلة.
القروي: نجوت من الزواج ووقعت في الحب..
أما الشاعر رشيد سليم الخوري الملقب بالقروي الذي آمن بقوميته إيمان المتصوفين وآمن بحريته وإنسانيته إيماناً لايعرف الحدود فيقول: لم يكن لي في عزوبتي يد، فقد توفى والدي باكراً وخلف لي إخوة صغاراً، كنت وصياً عليهم وقيماً على معاشهم وسائر شؤونهم فكان شبابي وقفاً عليهم دون سواهم ومن أسباب عزوبتي كذلك عدم وجود فتاة في المهجر تعرف لغتي وترضي عقلي وقلبي ولو أنني بقيت في لبنان شاباً وكهلاً لعثرت على الزوجة التي استحسن قيدها لذلك تجدني أنصح كل شاب أن يتزوج كي لايكون حظه كحظي ، شريطة أن يوفق بزوجة تدرك معنى الرباط الزوجي وتعرف كيف تحتفظ بالرجل بعد أن تفوز به.. ذلك مع أنني قلت في بعض شعري على سبيل الدعابة:
كفتني العزوبة من ضربات/ الحياة اثنتين هما شر محنة فحسبي بها أنني ليس لي/ حماة وليس لأمي كنة، لقد نجوت من الزواج لكن لم تكتب لي النجاة من الحب، فقد عرفته وذقت حلوه ومره..
خليل حاوي: بسبب أنانيتي
أما الشاعر الدكتور خليل حاوي الذي دعا أبناء الشرق إلى الخروج من الكهوف المظلمة فيقول: بعد أن وجدت المرأة المناسبة لي أضعتها كانت جميع الشروط مستوفاة فيها وسبب ضياعها يعود إلى أنانيتي وعدم رغبتي في تغيير عاداتي أو التضحية باستقلالي الشخصي فشعرت أنني سأظلمها وأضحي بها لغرض شخصي هو بالنسبة لي رسالة كبرى، أقصد رسالة الشعر والحقيقة أن المرأة والبيت هما محور حياة الرجل هما عامل الدفء العائلي ومن دونهما يعاني الرجل القلق والفراغ والوحشة .
أحمد صافي النجفي: المرأة الحسناء والقلم ضدان..
أما نزيل دمشق أحمد صافي النجفي ، شاعر المعاني المعمقة لا شاعر المباني والمحسنات البديعية، فله هذا الرأي الطريف عن الزواج والمتاعب التي قد يحملها : المرأة الحسناء والقلم ضدان لايجتمعان بخاصة أن المرأة تأخذ نصف عقل الرجل ويأخذالأحباء الأطفال النصف الثاني!! لذلك لم أتزوج حفاظاً على عقلي من التشويش.
عدنان بن ذريل: التقاليد حالت دون ذلك
أما الناقد عدنان بن ذريل، الذي كان يروق له أن نطلق عليه لقب (راهب الفكر) فقد أحب خلال دراسته الجامعية في القاهرة فتاة من الأسرة الملكية وبادلته المحبوبة المشاعر النبيلة الجياشة نفسها لكن التقاليد الصارمة في مصر الملكية يومذاك لم تكن تسمح لمواطن عربي مثقف بالزواج من فتاة تحمل لقب (أميرة) فرفض طلبه، وأمضى سنوات عمره في دمشق دون زواج مكتفياً بذكرى حبه القديم الذي أخلص له حتى رحيله عن عالمنا .
جبران خليل جبران: ليس لامرأة أن تتحملني
أما عميد الأدب المهجري في الولايات المتحدة الأمريكية جبران خليل جبران الذي أجاب إحداهن عن سؤالها : لماذا اختار العزوبة؟ فقال بما معناه: أنا رسام وكاتب فلو كانت لي زوجة لأبعدني الفن والأدب عنها ونسيت وجودها وليس من امرأة مهما كان حبها كبيراً لرجل أن تتحمل زوجاً مثلي.
فكري أباظة
أما شجون الحب والزواج عند الكاتب الصحفي فكري أباظة فيعلنها بمايلي:
خطبت في حياتي /12/مرة ولم أتزوج واحدة خطبت أول واحدة عام /1920/ وأثناء الخطبة ماتت، بعدها خطبت الثانية وحين اكتشف حبيبها القديم ما أقدمت عليه قتلها وانتحر، وخطبت آخرى مرة عام /1963/ وجاءها عريس أصغر مني فتزوجته، واستقر رأيي أن أحيا دون زواج إلى الأبد.