التقاربات العربية .. خيار لابدَّ منه
شؤون سياسية الخميس 13-8-2009م محمد كشك اتجه الوعي القومي العربي قبل وبعد نيل الأقطار العربية لاستقلالها وبالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية إلى التطلع والحلم
بقيام وحدة عربية كلياً أو جزئياً لتؤسس الأخيرة نواة وقاعدة لوحدة عربية شاملة عند نجاحها لقطرين أو ثلاثة، وكانت ومازالت الوحدة العربية لدى سورية من أبرز أهدافها الاستراتيجية الأخرى، وتمثل حيزاً لا يستهان به في العقل والوجدان القومي العربي السوري. لذا عندما تحققت وحدة سورية ومصر عام 1958 كانت نشوة و فرحة العرب بالانجاز كمن تحققت له أجمل وأغلى وأنبل الأحلام. لينام ويستيقظ ليناضل من أجلها، إلا أن الأمر لم يتجاوز ثلاث السنوات حتى حلت كارثة الانفصال في العام 1961. وعلى نسق التقاربات العربية أيضاً كانت ومازالت العلاقة التي تربط سورية ولبنان حيث تشير حقيقة التاريخ أن هذه المنطقة أي سورية ولبنان بقعة واحدة لشعب واحد وجغرافيا واحدة لا حواجز أو موانع بينهما منذ القدم. ويمثل اليوم الانجاز الوحدوي لشطري اليمن قبل أكثر من ثمانية عشر عاماً إضاءة متوهجة في عتمة واقع التجزئة وتعثر التقاربات العربية التي تقلصت أهدافها إلى درجة التشتت بآمال المصالحة بين الدول العربية لإقامة علاقات طبيعية بلا توترات أو ضغائن. والواقع يقول إن دواعي ومبررات التقاربات العربية أصبحت أكثر الحاحاً من الحاجة اليها اليوم في العقود الماضية لأن حالة الانكشاف في الأمن القومي العربي صارت تهدد استقلال الأمة وسيادتها أمام اشتداد وطأة الضغوط الأميركية والعربية على الوطن العربي لإقامة علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني صاحب المشروع العدواني التوسعي الاستيطاني والذي يمثل أكبر الأخطار والتهديدات لنهوض الأمة واستكمالها لشروط تحررها تزداد ضراوة يوماً بعد يوم، وارتفاع حدة الإجرام الصهيوني اليومي على الشعب الفلسطيني وانفلاته من كل عقال وتفاقم وقائع الضغط والابتزاز الأميريكي لسورية وتزايد مخاطر انفراط وحدة الكيان الوطني للسودان. لقد أكدت توجهات التحالف الاستعماري الصهيوني ومخططاته وممارساته تجاه وطننا العربي وتراثه الحضاري أنه سائر في عدوانه علينا ومتابع توظيف القاعدة الاستعماريةالاستيطانية الصهيونية التي أقامها في فلسطين في تنفيذ هذه المخططات وما المصادقة الأميريكية على قرار الكونغرس باعتبار القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني إلا تعبير عن وصول هذا التحالف إلى ذروته من خلال استهداف القدس وطمس معالمها بكل ما تمثله من مقدسات ومعان ورموز تتصل بالهوية الحضارية للأمة وبكل ماتعنيه هذه المصادقة بحقوق الأمة ومعتقداتها وكرامتها ووجودها. ومن المهددات التي تجابه الأمة الخناق الاقتصادي الذي حقق أعناق الأقطار العربية قبل وبعد تداعيات مايسمى بالأزمة المالية العالمية، كل ما ذكر يشكل مبررات حقيقية لتقاربات عربية على المستويين الأفقي والرأسي للنظام العربي الرسمي، ليس أمامه من خيار سوى التقارب لمواجهة التحديات وبالصيغ التي تضمن توفر مستلزمات التصدي لها وإلا فإن خسارته ستكون فادحة، أما على الصعيد الشعبي فإن التقارب بين الأحزاب العربية ومنظمات المجتمع المدني لبلورة مهام على أرضية الفهم العميق للواقع ومعضلاته يبدو هو الموضوعي والعقلاني استقراء للتجارب واخفاقاتها التي أضاعت فرص النهوض والتقدم.
|