|
المقاومة ... الرّد على النكسة شؤون سياسية وبعد ذلك صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967 الذي جاء لمعالجة آثار الهزيمة ,والذي تضمن ما اعتبر (مبادئ حل سلمي) للصراع العربي. و قال الجنرال موشيه دايان, أبرز مسؤول سياسي في تلك الحقبة, هذه الجملة المشهورة: (نترقّب اتصالاً هاتفياً من العرب). كان يريد أن يحمل على الاعتقاد بأنّه بعد هذا الاتصال, ستنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلّة - من سيناء وقطاع غزّة والضفّة الغربية والجولان- مقابل اتفاقيات سلام مع العالم العربي. لكن المؤرّخ طوم سيغيف كشف في كتابه 1967 (غير مُترجَم إلى العربية ), بأنّ تلك لم تكن في الواقع نيّة الحكومة الإسرائيلية. مع أنه جرى النظر إلى موقف إسرائيل على هذا النحو, سواء في العالم أم في الداخل. لقد تقدم المشروع الصهيوني في حرب حزيران 1967, ونجح في إحداث الفرقة بين العرب بحيث يتصور بعضهم أن البعض الآخر يسرق ثروته. وباتت مفردات ( النكسة) تعني الهزيمة في وجه إسرائيل, لكن أيضاً - وخصوصاً- نهاية الحلم العربي بإقامة دولة عربية تقدّمية قوميّة وحديثة كان ينادي بها جمال عبد الناصر (1918-1970) الذي تسلم الحكم في مصر في العام 1952, مع الضبّاط الأحرار, وأصبح الداعي إلى الوحدة العربيّة, وكذلك أيضا حزب البعث العربي الاشتراكي , الذي أُسّس في العام 1947 تحت شعار (وحدة, حرية, اشتراكية), و الذي يتمتّع ب(فروع) تابعة له في كافة الدول العربية, ووصل إلى السلطة في سورية والعراق في مرحلة الستينيات. وقد بلغ هذا المشروع القومي ذروته مع إعلان قيام الجمهورية العربية المتحّدة بين مصر وسورية (1958-1961). فخلال نحو عقديْن من الزمن, بين العاميْن 1950 و1967, أمل العرب في الحصول على فرصة ثانية لل(تعويض) عن (النكبة) الأساسية في خسارة فلسطين بين العاميْن 1948-1949. ومع العام 1967, أصبح وجود اسرائيل واقعاً , في حين كان يتضح في إسرائيل الخطاب حول اللاّرجوع عن احتلال الأراضي, وهكذا تغيّرت معالم اللعبة السياسيّة في المنطقة . و كان الصراع دائرا بين مشروعين متناقضين, فإسرائيل ترى أنها دولة معترف بها من هيئة الأمم المتحدة, بينما يعتبر المشروع القومي العربي أن إسرائيل دولة دخيلة ولا يمكن الاعتراف بها .وهو التناقض الذي أدى الى حروب ومعارك متتالية , انتهت باعتراف دول عربية بوجود اسرائيل, وبالتالي قد انتصر المشروع الصهيوني , الذي يستوجب مقاومته من قبل الشعوب العربية و الإسلامية بروح من الصمود في وجهه ولا بديل أمامها الا بالالتفاف حول المقاومة. و كانت مصر عبد الناصر و سورية والشعوب العربية تجاوزت هزيمة يونيو(حزيران) من خلال حرب الاستنزاف , وسطوع نجم الثورة الفلسطينية المعاصرة في فضاء السياسة العربية , التي أكدت على أن قضية فلسطين هي قضية عربية و إسلامية بامتياز , فضلا عن أنها قضية كونية, و أن عدو الأمة هو الكيان الصهيوني , ما بقي مغتصباً لأراض عربية وينتهك حقوق العرب في فلسطين ولبنان وسورية. غير أن مبادرة السلام التي سبقها لقاء السادات بكسينجر في أسوان في 7 ديسمبر 1973 أعطت وجها آخر لقضية الصراع مع الكيان الصهيوني, بحيث باتت الدبلوماسية هي السلاح الوحيد في مواجهة أي خلاف أو صراع في المناطق العربية الساخنة, وهو ما أضعف القدرة العربية على تجاوز روح الهزيمة. واحتلت قضية فلسطين موقعا مهما في الحركة القومية العربية ,التي ربطت بين محاربة إسرائيل ومحاربة القوى الامبريالية الغربية كلها, لدى الشعب العربي, لو لا الروابط الواقعية, الضرورية, الخفية و الظاهرة التي تشدها إلى قضية الأمة العربية, قضية وجودها أولا, و من ثم قضية تحريرها و تقدمها ووحدتها, الروابط الواقعية الضرورية التي تشد الجزء إلى الكل و الخاص إلى العام ثانيا. و بدا مع تراجع المدّ القومي, مدّ المقاومة الفلسطينية خلال العقود الأربعة الماضية , في البداية كانت هذه المقاومة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية, عندما كانت هذه الأخيرة مؤمنة بنهج الكفاح المسلح طريقا لتحرير فلسطين , ثم بقيادة الحركة الجهادية الإسلامية الفلسطينية, التي انتزعت مشعل القيادة من م.ت.ف بعد أن أصبح رجحان خط التسوية الذي بات الخط الرسمي للسياسة العربية و للعديد من القوى السياسية العربية المعارضة, و حتى لمعظم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي تخلت عن شعار التحرير الشامل , لتتبنى الحل المرحلي ضمن إطار التسوية عامة , و ضمن إطار اتفاقيات أوسلو المتمخضة عن تلك التسوية, وفقا لمخطط السلام الأميركي - الصهيوني . ولعل أبرزتجليات جدلية الهزيمة في عام 1967 ظهور المقاومة اللبنانية التي استطاعت أن تحرر جنوب لبنان بقوة السلاح في 25 مايو عام 2000. ثم هناك حرب يوليو/ تموز 2006 التي مثلت فصلاً مهماً من فصول نهاية (إسرائيل الكبرى )وتحطيم جيشها وقوتها الوهمية. فهذه الحرب كبدت دولة الاحتلال خسائر كبيرة لم تَخسرها على مدار تاريخها الحربي. ولا تزال لعنة حرب لبنان تطارد غالبية السياسيين والعسكريين في (إسرائيل)الذين سيدفعون ضريبة باهظة لفترة طويلة, لأن صمود المقاومة اللبنانية في وجه أسطورة الجيش الذي لا يقهر خلق أزمة وجودية لإسرائيل بسبب الإخفاق في تحقيق جيش العدو الصهيوني جملة من الأهداف الاستراتيجية للدولة الصهيونية ,وهذا هو الجزء المهم في مضمون التقرير المرحلي للجنة (فينوغراد) الذي صدر في الثلاثين من إبريل/نيسان الماضي. هذه القراءة تقودنا إلى اٌلإستنتاج أن لدى شعوب الأمة العربية حيوية ملهمة, أدت إلى بروز مقاومة متنوعة في كل من فلسطين و لبنان و في العراق , استطاعت أن تهز المواقع الأميركية - الصهيونية , عبر بث روحية تحريرية جديدة في مقاومة الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. *كاتب تونسي
|