الذي ارتضى خيانة وطنه والعمالة لنابليون الغازي لبلاده حين رجا لذلك الضابط العميل أن تكون مصافحة الامبراطور جائزته الكبرى على خيانته.
ولكن الامبراطور المسكون بشرف الانتماء الى وطنه وأمته رفض مصافحته قائلا: إن القائد نابليون يرفض أن يضع يده في يد من خان وطنه وشعبه.
وأمر له ببعض الفتات من المال مكافأة له على خيانته وعمالته.
هذه القصة ليست من نسج الخيال, وليست يتيمة عبر أحداث التاريخ بل لعلها تتكرر في كل زمان ومكان وتحمل من العبرة ما فيه الكفاية لمن شاء أن يتذكر أو يعتبر.
فلقد أعادت الأحداث الحاضرة في واقعنا العربي هذه القصة الى واجهة الذاكرة التي تضيق بالممارسات الخيانية في جميع الاتجاهات والمستويات.
فأنى توجهت تتزاحم الأمثلة والأيادي الملطخة بعار الخيانة من العصابات العميلة الى أبواق التجني وأنظمة التهافت على أبواب الاستسلام والاستزلام.
فما سر هذا التمادي في الانهيار?! وما الدوافع في هذا التجني على الشعب والوطن الذي حمل صليب الأمة وتسامى فوق جراح الذات خدمة لأهداف العروبة المجيدة ورسالتها الحضارية وقضاياها العادلة.
هل دنست سورية القيم العربية الأصيلة?! أم باعت الصليب في مزادات السياسة وأسواق النخاسة?!
أم هل بخلت بدمائها وما دون ذلك على أشقائها الذين يتسابقون في إعداد المؤامرات وترويج الافتراءات وكأنما جميع الأيادي غدت شارونية الولاء والانتماء في أمة تتاجر بالأموات والأحياء.
أم هل أدارت ظهرها لقضية أو تقاعست عن واجب وتضحية من أجل أن يكون لأمتها مكان لائق ودور محترم تحت الشمس?!
ولماذا يستعجل البعض إسقاط مواقفها وممانعتها التي لم يبق سواها في ساحة المواجهة مع المؤامرة الكبرى على الأمة وطنا ورسالة وقضية وهوية?!
وما الثمن الذي سيقبضه أولئك سوى عار الاحتقار من أباطرة الهيمنة الجديدة?!
إن ذاكرة الشعوب لا تموت وهي قادرة دوما على التمييز بين الشرفاء والعملاء وتعلم علم اليقين أن جميع الأدوات ساقطة بالضرورة عند وصول الأسياد الى الهدف وبلوغ الغايات.
ففي كل عصر هناك نبل نابليون وخسة العملاء وما أشبه اليوم بالأمس الذي لم يرحم ولن يرحم خائنا ولا عميلا.
إن الجماهير العربية التي انكشفت أمام أبصارها وبصيرتها سفاهات الزيف والأضاليل تدرك أن الذين يروجون ويهللون لعزلة سورية أو عزلها إنما يكملون الدور الصهيوني في استباحة ما تبقى من مقومات الأمة وشرف الانتماء الى أصالتها الأخلاقية ورسالتها الحضارية التي يدافع عنها شرفاء الغرب ويدفع بها سفهاء العرب الى هاوية الدمار!!
فماذا فعلت سورية لتجازى بمثل هذا الجزاء ألأنها رفضت السقوط الأعمى في متاهات الرهان والارتهان الصفيق للقوى التي أعلنت العداء لوجودنا وتاريخنا وحقوقنا باسم الارهاب ومنطلقاته الزائفة?!
إن الذين ارتضوا تدنيس القرآن ووصم الاسلام بالارهاب ورهنوا أوطانهم وشعوبهم لأحقاد الصهيونية وصقور العدوان هم المحاصرون الحقيقيون بين ازدراء الشعوب واحتقار الأسياد.
لقد أدركت سورية بحسها الوطني وتاريخها النضالي وأصالتها القومية خطر الاستهداف القادم منذ اللحظة الأولى لانهيار المعسكر الاشتراكي والانتقال بالعداء الغربي من الخانة الشيوعية الى الخانة الاسلامية ودعت الجميع الى اليقظة والحذر والاستعداد والاعداد في جميع المناسبات والاجتماعات والمؤتمرات التي يفترض أنها تتبنى قضايا العرب والمسلمين وتدفع بالعمل العربي الى مزيد من التلاحم والفاعلية.
وانطلاقا من هذه الرؤية الشمولية امتدت تضحيات سورية من المغرب الى المشرق دما ذكيا وموقفا أبيا وإرادة صلبة في الدفاع عن الأمة بجميع أطيافها ومكوناتها المادية والمعنوية.
وأراني مضطرا للنفخ في رماد ذاكرة البعض ليعودوا الى بقايا الرشد ويتبينوا أن الموقف من سورية مرده الى حصانتها التاريخية ورفضها الالتواء والاحتواء وتعاليها عن التجارة بدم النضال وأرواح الشهداء.
وكما صمدت في وجه التآمر والمؤامرات وانتصرت بموقف الصدق وإرادة الحق فإنها سوف تنتصر دائما على دعاة الخنوع وأدوات الركوع, وإن الموقف السوري الثابت والأصيل من المؤامرة الهادفة الى احتواء المنطقة والهيمنة عليها سيبقى الموقف الأجدر بالاحترام عند الأصدقاء والأعداء على حد سواء وإن كره الخونة والعملاء.
وسورية التي تسعى الأدوات العميلة الى عزلها وحصارها سوف تجد في قلوب الأمة الأصيلة أبوابا مشرعة وفي وجدان الجماهير العربية مكانا متألقا بأصالة التاريخ واشراقات المستقبل المتمرد على الأزلام والأنصاب التي تتسول ذل الهزيمة عند كل باب, ولسوف يبقى ماء الوجه العربي سوري المنبع والمآب.
وأما الزبد فيذهب جفاء وليس في تاريخ الشعوب من زبد أوضع من خيانات الدم والأنساب.
إن ما تسعون إليه وما تروجون له هو إكليل غار على جبين المواقف السورية الصامدة وتضحياتها الرائدة التي تعبر عن إرادة الأمة وضمير الجماهير الرافضة لأبواق الداعين والمتداعين في عار الخيانة وأوكار العمالة الحاقدة.
عضو اتحاد الكتاب العربي