فإن للأسطورة الدور الأهم في الشعر الذي هو أكثر ارتباطا بالرؤى والأفكار التي لا تخضع إلى مقاييس الواقع. هذه هي رؤية مؤلف الكتاب الدكتور عبد الله الشاهر المعنون تحت اسم (الرمز الأسطوري في شعر بدر شاكر السياب) الصادر عن اتحاد الكتاب العرب دمشق.
يحاول المؤلف الدخول إلى عالم السياب الشعري الذي كان مولعا بالأسطورة, وتقصي مصادرها وملامسة عالمه الأسطوري عبر نصه الشعري, الكتاب قسمه الدكتور عبد الله الشاهر إلى خمسة فصول, الفصل الأول يتحدث عن الأسطورة وعلاقتها بالشعر حيث نوه أن نظرة الشاعر إلى الأساطير توسع دائرة رؤيته للتراث الإنساني فقد نشأ الشعر في أحضان الأساطير, وهي جزء مهم من النشاط الشعري, فالشعر الجاهلي لا يخلو من إشارات أسطورية, فالأعشى حدثنا عن جن سليمان وعاد وثمود, وفي شعر أمية بن أبي الصلت,والنابغة الذبياني يشير إلى كثير من الأساطير العربية,وكذلك زهير بن أبي سلمى.
أما الفصل الثاني تحدث عن السياب ورحلة عمره وعلاقته بالأسطورة, عاش متميزا حيث كان الفقر غربة في أبعاده الأخرى, وقتله المرض في قمة شبابه, بين ميلاده ووفاته ظلت حياته مزيدا من الألم والتعاسة والحرمان, توفي عام 1964.
بينما تحدث الفصل الثالث عن وظائف الأسطورة والوحدة العضوية للنص الشعري. تمتلك الأسطورة قدرات كبيرة ذات تأثير مباشر وغير مباشر على المتلقي كونها تقع بالأساس في الذاكرة الجمعية لكل المجتمعات البشرية, وهذه الصفة للأسطورة تعطيها القدرة على خلق أجواء واسعة الطيف في الكثير من الحالات ومنها الحالة الإبداعية, ولقد استفاد الشعراء فائدة واسعة من الوظيفة الإبداعية للأسطورة, حيث كتب العديد من الشعراء حكايا وأقاصيص وحوادث أسطورية أضفت على النص الشعري ميزات جمالية وإبداعية ذات دلالات خاصة. إن استخدام الأسطورة في صلب التجربة الإبداعية, وخصوصا في الشعر أعطى له بعدا تركيبيا, استنهض فيه حالة من الإبداع عند الشاعر, وحرض حالة التأمل عند المتلقي.
أما الفصل الرابع تحدث عن اللغة والمحسنات البديعية في نص السياب الشعري, أتقن السياب نسجه الشعري وجاءت محسناته البديعية بعيدة عن التكلف,واستعمل حالات التناقض الموجودة في المجتمع للتعبير عما يجول بداخله من أفكار وأحاسيس, وأدخلها في نصه الشعري كالحياة والموت والنور والظلام والليل والنهار.
وقد جاء الفصل الخامس قراءة نقدية لقصيدة أنشودة المطر, التي تشكل مثالا رفيعا للشعر العربي الحر, شعر التفعيلة الذي يعد السياب من أبرز رواده, وقد استطاع أن يبرز في هذه القصيدة مكونات روحه, وبوحه الحزين وذكرياته الجميلة,إن كانت على المستوى الشخصي أم على المستوى الاجتماعي أم على المستوى السياسي والفكري. من خلال هذه الدراسة المعمقة للدكتور عبد الله الشاهر لشاعر الألم والحزن والفقر والغربة بدر شاكر السياب اضاء على جوانب حياتية وجمالية قد لا يعرفها المتلقي فهذا الجهد والابداع لا يقل أهمية عن جهد السياب.