رغم مرور السنين ما زال الشوق يُجَرِّح وجناتنا، وتوالت صفحات الكتاب.
يحفر على كل صفحة اسماً جديداً، جد و جدة، عم وخال صديق صديقة، مستخدماً ألواناً مختلفة في تدوين الاسم، رجالات ونسوة لهم دلالات في حياتنا، غيابهم ترك ندباً في حيواتنا، إلى أن كان زلزال فقد القائد المؤسس، عندها تعطلت الأبجدية وشاهت بنا الألوان، يومها كان فقد الأب الأكبر لكل أبناء الوطن، جرح كبير تبلسم مع حضور القائد بشار الأسد، تلك الندبة الأكبر، ما زال يتحرك ألمها مع الذكريات فالفقد كبير.
إلى أن وقفت مرارة العلقم في الحلق، تمتص وهج الأيام وتراتيل الفرح مستبدلة إياها بابتسامة إن علا فيها الصوت باغتها صمت يغشاه الإثم والندم، ففقد الأبناء يفتت الأكباد، أما قيل فيهم أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض، بفقدهم تعكر صفو الحياة واصطبغت الألوان بالسواد، ترجل الفرح وتوارت السعادة معهم تحت التراب.
كل غياب يزيد شروخ النفس، وقوافل الشهداء تزفهم أكفنا والحناجر، وتغيب معهم مراح الأيام، تشخص معهم الأبصار تصبح العيون زجاجية تعكس الحزن المتفحم الرابض في النفوس، ارقدوا بسلام فدماؤكم ختمت قلوبنا وشواهدكم بحمر مدادها.
ويلتحق بركب الغائبين شهيد تغتال شبابه رصاصة غادر باع نفسه للشيطان، ذنبه عقيدة إيمان أن من لا يؤذي الناس لا يؤذيه أحد.. نذر حياته لخدمة أبناء بلده عاقبه القتلة بطلقة، تفاهة الأقدار هيأت وحوشاً بهياكل بشرية ترسخت فيهم عقيدة الحقد.
أصبحت الأيام لا تكتفي بفقدٍ واحدٍ تكتبه في صفحات كتابي.. فمنذ أولادي والغياب مزدوج لم تعد الأيام تكفينا لتأدية واجب العزاء وكأنها تستصرخ كفاكم أرهقتم أرقامي وعقارب الساعة وأوراق التقويم، والحرب عليكم تغتال الجميع بتعدد الأسباب
الرفيق والصديق (أبو ماهر) أرهقتَ الأيام التي كانت لا تكفيك ساعاتها وأنت تستنفدها بعمل دؤوب في كل موقع شغلته، كانت تخشاك قاعة اجتماع الجامعة العربية، وهي تضيق ذرعاً بخشب مسندة على مقاعدها، تحمل أفواهاً ببغائية تردد ما تُلقن، وأنت تمتطي صهوة الكلمة الفصل، لتضع كل في مكانه المناسب، وتتركه يحدث نفسه.
استعجلك الموت وعيناك تشخص نحو قادمات الأيام تستعجل يوم النصر الشامل، تنتظره بصبابة المشتاق مثل كل السوريين، تغالب الألم بانتظار هزيمة الإرهاب ومع بشائر تحرير إدلب تحررت روحك من الجسد الفاني لتحلق في فضاء الخلود.
افتقدناك اليوم يا رفيق النضال ونحن نشهد قائد الوطن وهو في الخطوط الأمامية في إدلب على خط النار، يطعم أعداءه عناقيد القهر، وهو بين جنوده يستمع دقات قلوبهم اللاهجة بفرح اللقاء، ويسقيهم جرعات القوة، يصف أمامهم لصوصية صفات عدوهم وتطير الرسالة الصورة والكلمة لأبناء الجيش العربي السوري أن القائد معكم وبينكم.
يلتقي القائد جنوده تحت ظل علم الوطن، بينما أردوغان يتسول الضامن الروسي بكلمات مالحة لا تستساغ، وهو يمعن بالخراب على الأرض السورية ويلملم شتات الرعاع، مرتزقة وإرهابيين وفلوله المحتلة. ظاناً أن الأرض السورية مشاع له.
يردّ الرجل قاطعاً رأس المعارك، بسكين السيادة السورية التي لا مساومة عليها، والأرض السورية واحدة وعلى أي قوة عسكرية غريبة مغادرتها، وأنها صاحبة الحق في امتلاك خيراتها، يفضّ الأوراق السورية؛ يلقنه إياها في مؤتمره الصحفي.
فرسان تحرير التراب يحاول أردوغان إشغالهم ما بين الشمال السوري وشرقه مستنداً على غربان الإرهاب، والمشغل الأميركي الذي بدأ يرفع الكرت الأحمر في وجهه، لأن الكرت الأصفر لم يجد معه نفعاً؛ بإنذاره بعدم التوجه للأرض السورية.
ها هو يزيد في خطاياه التي تفقده أوراق الداخل، لم يتعظ رغم تغير حروف الأقلام على قراطيس الانتخاب في معاقل حزبه. يطارده الكلام المنتقد على ألسنة قادة العالم وسياسييه، هل يستعيد الرجل صوابه قبل أن ترثيه الخرائط التي يحاول تشويهها.
لو أمهلك الموت رفيقي (أبا ماهر)، لترنو معنا بدايات النهاية، التاريخ يا رفيقي لا ينسى رجالاته وسيخط اسمك واحداً من رجال المرحلة، التي ستكلل بالنصر الشامل بإذن الله، وهمة البواسل وصمود الشعب، والمدافعين عن حق منبتنا سورية الوطن.