نوع غريب من الادمان العصري، يعتبر من أخطر المشكلات التي تواجه أطفالنا، وقبل أن تصبح ظاهرة لابدمن اتخاذ خطوة استباقية وإجراءات وقائية ودق ناقوس الخطر.
لأنها رخيصة
لأنها رخيصة وسهلة الاستعمال فمن الممكن أن يقع في دائرة الخطر أي إنسان وبالذات الطفل ويميز هنا الدكتور جلال شربا، اختصاصي بالأمراض النفسية والعصبية، مدير المرصد الوطني لرعاية الشباب، بين نوعين من الناس حيث يقول: يبدأ الشخص باستخدام هذه المواد مثل(الشعلة) وغيرها من المركبات المشابهة، وهي بطبيعة الحال موجودة في كل منزل لاستعمالاتها المتعددة، وقد يسمع أحد الشباب من زميل له أو يرى أن استنشاق هذه المادة يعطي نشوة أو راحة نفسية فيجربها لمرة أو لمرتين وبعدها يأخذ في استعمالها بهذا الشكل بشكل يومي ولعدة مرات وعندها نقول قد دخل طور الادمان على هذه المواد.
وهنا نفرق بين «طفل- يافع- شاب» يستنشق هذه المواد مرة في الأسبوع أو في الشهر وبين فرد أخذ يستنشقه أو يحاول شمه عدة مرات في اليوم وبهدف الحصول على نوع من النشوة أو الراحة النفسية.
مصروف الجيب..
يتابع الدكتور شربا حديثه عن أسباب هذا النوع من الادمان لدى الأطفال ونسبته قائلاً: الادمان لدى الأطفال وعموماً الشباب صغار السن(13-15) أخذ يتزايد في الآونة الأخيرة بشكل مضطرد كما أن الادمان لدى النساء بمختلف الفئات العمرية أخذ يشكل ظاهرة ملحوظة في مجتمعنا وأكثر أنواع الادمان خطورة عند الأطفال حيث تنتشر بينهم أنواع مختلفة- خصوصاً في البداية -عن ادمان الكبار وذلك بسبب ظروف الحياة التي يمرون بها والدخل المادي المتاح أمامهم(مصروف الجيب) ويزداد الادمان لدى الأطفال الذين يدخلون مجالات العمل بشكل مبكر أكثر من غيرهم، وكذلك عند الأطفال المنتمين إلى عائلات متفككة وتغيب عنهم الرعاية الصحية والعائلية والاهتمام الشخصي.
وأكثر الأشياء المتوفرة والأرخص ثمناً هي هذه الأنواع من البنزين والصموخ والمركبات التي تحتوي المذيبات الطيارة وهي تؤدي إلى مشكلات جسدية ونفسية لاتقل أبداً عن المواد المخدرة الأخرى بل تنافسها خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن سن البدء يكون صغيراً ومع الزمن يتنوع شكل الادمان وبدلاً من أن يصبح مدمناً على مادة يصبح مدمناً على مجموعة مواد سواء أكانت أفيونيات (أفيون -حشيش- هيروئين) أو أدوية يتم تداولها بشكل سيىء ومن دون وصفة طبية.
النيكوتين والكافيين؟
قد يتساءل البعض: أليس النيكوتين والكافيين عقاقير يتناولها الناس في صورة شاي وقهوة وسجائر؟ عن هذا التساؤل يجيبنا شربا بقوله: إن الادمان بتعريفه هو استخدام متكرر ومتزايد لمادة أو أكثر بهدف الحصول على نشوة أو مزيد من الطاقة ومع الاستخدام الطويل لهذه المادة يصبح هناك نوعان من الادمان: ادمان نفسي- ادمان جسدي إذاً يصبح الجسم بحاجة إلى الحصول على هذه المادة لأنها مع الوقت أحدثت تغيرات عضوية في جسمه، كما أنها تصبح مؤثرة على عمله وعلى علاقاته العائلية والاجتماعية وسلوكه في مختلف مناحي الحياة ويصبح مستعداً لدفع المال أو محاولة إيجاده بكل الوسائل الشرعية وغير الشرعية من أجل تأمين هذه المادة، أما بالنسبة للمشروبات التي اعتدنا جميعاً على تناولها (متة-شاي- قهوة) فلم يلحظ حتى الآن أنها تسبب تلك التغيرات النفسية أو الفيزيائية والعضوية في الجسم، كما أن الشخص لاتتطور عنده الحاجة لمزيد منها بشكل يومي أو أسبوعي أو شهري أي إن قدرته على التحمل تبقى نفسها وعند تركها قد يكون هناك نوع من الانزعاج النفسي ولكنها لاتترك أعراض سحب (ضجر،هياج نفسي وحركي، صداع قلة نوم، آلام مفصلية، أرق، آلام جسدية وبطنية، إسهالات، إقياءات).
أخطاربالجملة
وعن مدى خطورة المذيبات يقول المعالج النفسي في المرصد الوطني لرعاية الشباب محمود العلي:
تعمل المواد الطيارة على مثبطات للجهاز العصبي المركزي بشكل يشابه الكحول ينتج عن الانسمام بالبداية: جذل يتبعه تيهان وتشوش بصري وقد تؤدي الجرعات المرتفعة إلى فقدان الوعي والاندفاعية والعدوانية، وتشمل المواد المتطايرة المواد الغروية والدهانات ومرشات الشعر والمذيبات والمحروقات وتتحول هذه المواد بحرارة الغرفة إلى غاز يمكن استنشاقه من الأنف أو الفم تدخل إلى مجرى الدم دون أن تمر على المعدة مايحدث الانسمام للمتعاطي بسرعة دون أن يحس وقد يرتبط الموت باساءة استخدام المواد المتطايرة خصوصاً من التعرض للتأثيرات السامة الحادة (يختنق المدمن نتيجة انغلاق الممرات الهوائية) أو نتيجة انحسار نسبة الأوكسجين، أو المادة التي تستنشق تؤثر مباشرة على القلب فتميته ولاتوجد أعراض انسحابية بعد الانسحاب ويمكن لعاملي الرعاية الأولية التعرف على الاستخدام الحديث للمواد المتطايرة من خلال البقع حول أنف وفم المتعاطي وروائح التنفس غير الطبيعية وبقايا المادة المتطايرة على الوجه واليدين والملابس والتهيج في عيني وأنف وحلق المتعاطي.
وعن كيفية ومكان العلاج تابع المعالج النفسي محمود: من حق كل مريض ادمان،فرصة للبدء بحياة جديدة بعيدة عن الادمان وآثاره السلبية الجسدية والنفسية والمادية التي تثقل كاهله وكاهل أسرته ويحق له إيجاد مكان يمنحه العلاج والدعم النفسي والاجتماعي اللازم ليعود إنساناً سوياً قادراً على أداء وظائفه، من هنا كان دور المرصد الوطني لرعاية الشباب، معالجة الادمان والأمراض النفسية، فهو المشفى التخصصي الوحيد في سورية حيث يقوم باستقبال المدمنين يومياً حيث يقوم الأطباء بالعلاج الدوائي من أجل سحب المواد السامة/ فطام المرضى/ وكذلك جميع الأمراض التي تظهر لدى المريض (جسدية ونفسية).
إضافة لدراسة اجتماعية لجميع الحالات التي تأتي من خلال أخذ القصة الاجتماعية والتأثير الإيجابي على المريض للوصول به إلى أخذ القرار الذي يضمن له متابعة الخطوة التي بدأها في المركز والتواصل مع الأهل ومد يد العون للمريض والأهل لإنجاح العلاج والعودة للمجتمع بشكل صحيح ومعافى.
مشكلة اجتماعية
يؤكد المعالج النفسي محمود العلي أن الادمان مشكلة اجتماعية أكثر منها طبية وعلى الأهل ألا يعتمدوا بشكل كلي على الخدمات الطبية بل يجب التركيز على المشكلات والمصاعب التي يعاني منها المدمن وحل تلك المشكلات يبعده عن اللجوء إلى أي حل وهمي كاستنشاق المذيبات مثلاً.
في تقرير فني حول التشاور مع يافعين في سورية 2007، قال اليافعون: نشعر أننا كبرنا بما فيه الكفاية، ولكن أهلنا يعاملوننا كأطفال صغار فنشعر بأننا بعيدون عنهم وكأننا في عالم آخر وينجم عن ذلك تباعد بين الأبناء والأهل ولهذه التصرفات الخاطئة عواقبها السلبية.
وقال يافع آخر: لانشعر أن أهلنا يقدرون قيمتنا بل إنهم يستصغرون شأننا ويضحكون منا ولايسمحون لنا بفعل أي شيء مما نرغب به ويشعرنا بوجودنا.
وحين يفتقد الأبناء (أطفال- يافعون- شباب) النموذج الأبوي الطيب الذي يحتذونه(طلاق- انفصال- عزلة- زيجات متعددة..)، يلجؤون إلى البديل وهو المعلم... الذي يمتد أثره مع طلابه إلى خارج المدرسة..إلى المنزل والملعب.. والشارع.. والنادي والمعلم بفضل صلته بطلابه إن كان من المعلمين الذين يؤدون أدوارهم التربوية على خير وجه ولايحصرون أنفسهم في المعنى الضيق المتعلق بتدريس المقررات فحسب- يستطيع إبعاد الناشئة عن منزلق المخدرات الرهيب، والادمان بكل أنواعه، أو علاجهم وإعادة تأهيلهم وضمهم إلى مسيرة الحياة الطبيعية في مجتمعهم إذا كانوا ممن سقطوا فيها ذات يوم.
رقم.. ومعلومة
تشير الاحصائية التي قدمها لنا المعنيون في المرصد الوطني لرعاية الشباب أن عدد القبولات في عام 2009 هو (1025) وفي عام 2010 هو 1074 و986 في عام 2011 (لمدة خمسة أشهر).
أما فيما يخص موضوعنا في عام 2009 كان عدد مدمني المستنشقات والذين جاؤوا طواعية للعلاج (7) وفي عام 2010 عددهم (2) وواحد في عام 2011(في خمسة أشهر).
ومن المؤكد أن عدد المراجعين لايدل على عدد المدمنين الفعليين على أرض الواقع لأن الكثير منهم يخشى مراجعة المرصد أو يجهل وجود مثل هذا المشفى ومهامه.
تؤكد الدراسات أن المذيبات تسبب نوعاً من الحساسية الزائدة لهرمون الادرينالين الذي يرفع ضغط الدم ويزيد دقات القلب ويزيد كذلك من نشاط الجهاز العصبي الذاتي، وفي الأحوال العادية يزيد نشاط الادرينالين في ظروف معينة مثل آداء مجهود وعند الجري بسرعة والخوف الشديد، ومن ثم ينصح بعدم تعقب مدمني استنشاق الغازات بالعدو خلفهم....