هي منطقة أبيي . لكن الشمال، حيث توجد مصافي النفط، يتحكم في توزيع الأرباح.و الحال هذه، لا تزال الجغرافيا في السودان تربط الجنوب بالشمال ، سواء بسبب النيل وحقوق الرعي، أو لسبب آخر الآن، هو النفط.
وقد مكن اكتشاف النفط في السودان من انضمام هذا البلد العربي رسمياً إلى الدول المصدرة للنفط في 30 آب 1999، حين صدر أول شحنة من 600 ألف برميل إلى سنغافورة عبر أنبوب يمتد 1600 كيلومتر تحت الأرض من حقول نفط هجليج في الجنوب إلى مرفأ البشاير الذي افتتحه الرئيس السوداني عمر البشير على البحر الأحمر على مسافة 400 كيلومتر شمال شرق الخرطوم . وينتج السودان نفطا وغازا منذ سنوات, ولكنه لا يزال يعتبر ثروة كامنة غير مستخرجة . فهو ينتج غالبا ما بين 230 ألفا و250 ألف برميل من النفط يوميا، وتبلغ احتياطاته المعروفة في منطقة غومي أعالي النيل ما بين 600 مليون و2، 1 مليار برميل، والاحتياطات المقدرة في هذه المنطقة بأكثر من 800 مليون برميل، لكن الثروة الكبرى تقع في حقول كامنة في منطقة سد الجنوبية الخاضعة كليا لسيطرة الفصائل الجنوبية حيث كمية النفط مقدرة بما بين 3 مليارات و4 مليارات برميل .
بعدانفصال جنوب السودان عقب الاستفتاء الذي جرى في 9كانون الثاني 2011 ، وولادة دولة جنوب السودان في شهر تموز 2011، بقيت قضايا عديدة عالقة بين الدولة السودانية في الشمال ،ودولة جنوب السودان ، و بالأخص منها موضوع النفط، وعملية تصديره.و على الرغم من أن النفط المكتشف في الجنوب، و المصدر من الشمال ، كان يمكن ان يكون عاملاً توحيدياً بين شمال السودان ، وجنوبه ، فإنه لعب دوراً سلبياً، إذ إنه كان أحد مدخلات الانفصال السوداني، و لا يزال يلعب دوراً سلبياً في تأجيج دور الصراع بين الخرطوم وجوبا.
وعلى صعيد الأزمة الأخيرة بين الشمال والجنوب قال وزير نفط جنوب السودان ستيفن ديو داو لوكالة رويترز في جوبا إن بلاده أكملت وقف إنتاجها النفطي بسبب خلاف مع السودان بشأن رسوم التصدير وإنها لن تستأنف العمليات إلا بعد التوصل إلى اتفاق شامل مع الخرطوم على قضايا أخرى من بينها أمن الحدود ومنطقة أبيي المتنازع عليها. وأبلغ الوزير الجنوبي أن إنتاج بلاده من النفط - الذي قدره مسؤولون في نوفمبر عند 350 ألف برميل يوميا - توقف تماما والنفط شريان حياة لاقتصادي البلدين. وابلغ الرئيس السوداني عمر البشير نظيره الصيني هوجنتاو موقف السودان تجاه ملف النفط مع دولة جنوب السودان وسط توقعات بدور صيني بارز لتسريع عملية التسوية وأوضح وزير الخارجية السوداني علي كرتي أن الرئيس السوداني أبلغ الصين بتعنت دولة جنوب السودان التي رفضت كل حلول الوسطاء التي قدمت منذ بدء الجولة وطالب الصين بممارسة ضغوط على الجنوب.
و يربط جنوب السودان استئناف إنتاج النفط من خلال التوصل إلى اتفاق شامل توقعه كل من دولة شمال السودان ودولة جنوبه، إذ يشترط الجنوب أن يعترف السودان بحدود عام 1956 بمعنى أنه« يجب أن يرد جميع الأراضي المحتلة» مشيرا إلى حدود داخلية استخدمت قرب فترة استقلال السودان. ويتمحور الصراع بين شمال السودان و جنوبه حول تحديد سعر عادل لمرور النفط في الشمال ، فبينما تستقر المعادلات العالمية عند 3دولارات للبرميل، تطالب دولة شمال السودان بنحو 20 دولارا. وأخفق طرفا الحرب الأهلية سابقا في الاتفاق على قيمة الرسوم التي يجب أن تدفعها دولة جنوب السودان لضخ النفط شمالا في خط أنابيب ثم تصديره من ميناء بورسودان.
وكان السودان أفرج عن أربع ناقلات محملة بنفط جنوب السودان كانت محتجزة في ميناء بورسودان بسبب الخلاف حول رسوم عبور الصادرات بعد أيام من مصادرة الخرطوم لكميات من الخام الجنوبي وعرضها للبيع بأسعار منخفضة للغاية، لكن الخرطوم أكدت رغم ذلك أنها لم تتلق أي رد ايجابي من جوبا التي اتهمت العاصمة السودانية بتسليح ميليشيات قتلت أكثر من 40 سودانيا جنوبيا.وقال وزير النفط السوداني عوض الجاز إن الإفراج عن سفن النفط السودانية الجنوبية جاء في إطار الجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق مع جنوب السودان بشأن رسوم عبور الصادرات. لكنه أضاف أن السودان لم يتلق أي رد إيجابي من الجنوب حتى الآن.
وكان وفد التفاوض لحكومة السودان مع حكومة جنوب السودان أعرب عن خيبة أمله للموقف السلبي لجوبا اتجاه المفاوضات التي عقدت بأديس أبابا،إذأعلن رئيس جنوب السودان سالفاكير ميار ديت رفضه لمقترحات الاتحاد الإفريقي لحل الخلاف النفطي مع جمهورية السودان. وطالب سالفاكير بإجراء مفاوضات شاملة مع السودان حول تقاسم الموارد النفطية وكذلك حول الخلاف الحدودي بين العدوين السابقين لتفادي حرب جديدة بين الشمال والجنوب. وقال كير أمام الصحفيين: “من الصعب علي قبول اتفاق يجعل من شعبنا ضعيفا تابعا يتعين عليه دفع ملايين غير متوجبة عليه”. وقال إن “اتفاقا يمكن أن نفكر بتوقيعه ينبغي ألا يركز فقط على الأزمة النفطية، وإنما أن يكون شاملا يغطي كل المسائل العالقة».
ويتنازع شمال السودان وجنوبه على تقاسم الموارد النفطية وترسيم الحدود. و يملك جنوب السودان ثلاثة ارباع احتياط النفط في السودان السابق لكنه مضطر إلى عبور الأراضي السودانية لتصديره واستعمال بناه التحتية الوحيدة التي تسمح له بالوصول إلى البحر.
وللانفصال تداعيات خطيرة على اقتصاد الشمال السوداني، الذي لا تبدو حظوظه في الانتعاش كبيرة، لا سيما مع عامل الانهاك المستمر بسبب الحروب الدائرة منذ الاستقلال في الجنوب، ثم اشتعالها مجددا في اقليم دارفور غرب السودان.فالانفصال سيقود إلى تراجع ايرادات الحكومة في الشمال من عائدات البترول (75%منه ينتج في الجنوب) ، وإلى حدوث فجوة كبيرة نظرا لكون عائدات البترول تشكل نحو 70% من الايرادات في موازنة الدولة السودانية الشمالية .
وبعد الانفصال أصبح الاقتصاد السوداني يواجه تحديات جديدة، فهو يعاني من انخفاض حاد في تدفقات العملات الاجنبية والتي تقدر بـ66%، فضلاً عن الخلل الهيكلي في الاقتصاد السوداني الناتج من الارتباط القوي لقطاع النفط مع القطاعات الاقتصادية الاخرى ، إذ إن الانخفاض المتوقع في عائدات النفط سيؤدي إلى 15% كنقص في الناتج المحلي الاجمالي.
و كانت الولايات المتحدة الأميركية قدمت لحكومة جنوب السودان على امتداد السنوات الماضية صفقات سرية من الأسلحة ،ودعما تجاوز 6 مليارات دولار .ويدخل هذا الدعم الأميركي القوي لجنوب السودان ، في ظل اشتداد الصراع التنافسي بين الولايات المتحدة الأميركية و الصين على السيطرة على نفط السودان ، المتمركز بصورة اساسية في الجنوب، لا سيما أن الصين أصبحت لها استثمارات كبيرة في المجال النفطي في السودان.
كاتب تونسي