تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ما حاجة واشنطن لقاعدة عائمة في الخليج؟

شؤون سياسية
الخميس 9-2-2012
عبد الحليم سعود

سربت وسائل الإعلام الأميركية مؤخرا خبرا مفاده أن وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» بصدد إنشاء قاعدة بحرية عائمة لفرق الكوماندوز في مياه الخليج العربي،

مبررة الخطوة بتصاعد التوتر مع إيران وتزايد نشاط تنظيم القاعدة في اليمن ونشاط القراصنة الصوماليين في بحر العرب وخليج عدن إلى جانب تهديدات أخرى لم تأت على ذكرها.‏

وتشير بعض الوثائق التي أضاءت عليها صحيفة الواشنطن بوست إلى أن هذه القاعدة العائمة سيطلق عليها اسم غير رسمي هو «السفينة الأم» وهي قادرة بحسب الصحيفة على احتواء قوارب فائقة السرعة وصغيرة الحجم ومروحيات تستخدمها فرق «سيلز» التابعة لسلاح البحرية.‏

رب سائل يسأل ما حاجة الولايات المتحدة الأميركية لمثل هذه القاعدة العائمة في ضوء وجود عدد كبير من القواعد البرية والجوية وحاملات الطائرات والبوارج الحربية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وفي مياه الخليج العربي، وماذا ستضيف هذه القاعدة الجديدة للقوات الأميركية الكثيرة الموجودة في الدول الخليجية والتي ساهمت بتحويل هذه الدول إلى مجرد قواعد عسكرية ومجالس سياسية واقتصادية ومنابر ومحطات إعلامية لا هم لها سوى خدمة المصالح الأميركية والمصالح الإسرائيلية المرتبطة بها عضويا.‏

العديد من المتابعين القارئين في الاستراتيجية العسكرية الأميركية يتوقعون للقاعدة الجديدة أن تلعب دورا مختلفا عن الأدوار التي تمارسها القواعد البرية والجوية في كل من قطر والبحرين والسعودية لجهة المهام السرية والاستخباراتية بعيدا عن أعين أجهزة واستخبارات الدول الخليجية، ويستندون في هذه الخلاصة إلى أن الفشل الأميركي في العراق أجبر صناع القرار في واشنطن على الاقتناع بأنه لم يعد باستطاعة بلادهم الحفاظ على مصالحها بواسطة التدخل العسكري المباشر والاحتلال، لذلك لا بد من استخدام أساليب أخرى أقل كلفة كتشجيع الفوضى الأمنية وإضرام النزاعات بين دول المنطقة و بث روح الفتنة والتقاتل بين الطوائف والمذاهب والاتنيات التي تتعايش فيها منذ آلاف السنين، والقيام بعمليات اغتيال وتخريب التي تخدم هذه الأغراض القذرة.‏

فكما بات معروفا يتحرك الوضع الأمني والسياسي في المنطقة عكس عقارب الساعة الأميركية لجهة الحراك الشعبي في عدد من الدول العربية وخاصة اليمن بموقعه الاستراتيجي وكذلك في البحرين والسعودية، بينما ينتقل البرنامج النووي الايراني من نجاح إلى آخر رغم كل الضغوط والتهديدات والعقوبات الغربية، ولا شك أن عودة روسيا والصين لأخذ زمام المبادرة في قضايا المنطقة وانهيار نظام الأحادية القطبية يضع الأميركيين في وضع حرج للغاية ويسحب البساط من تحت أقدامهم.‏

من جهة ثانية كانت المناورات البحرية الإيرانية الأخيرة في مضيق هرمز والتي أظهرت قدرة عسكرية كبيرة بمثابة رسالة قوية الدلالة للوجود الأميركي في الخليج، حيث أكدت البحرية الإيرانية أن باستطاعة إيران إغلاق المضيق الأكثر حيوية في العالم وما يعنيه ذلك من تهديد فعلي للمصالح الأميركية وخاصة النفطية إذا ما علمنا أن 40 بالمئة من نفط العالم يعبر هذا المضيق، حيث يذهب معظم كمياته إلى أسواق كل من الولايات المتحدة وأوروبا الرازحتين تحت أزمة اقتصادية خانقة تجعل من قضية النفط وإمداداته قضية حساسة للغاية.‏

وفي ضوء هذه المعطيات يبقى السؤال الملح هو ما الهدف من إنشاء هذه القاعدة في هذا الظرف بالذات وماذا سيكون دورها في المرحلة المقبلة..؟‏

بالعموم يمكن القول: إن زيادة التوتر في منطقة الخليج، والاستمرار في استغلال إيران كفزاعة خليجية من أجل الضغط على دول وممالك الخليج لكي تبقى في الحضن الأميركي وتستمر في كونها السوق الأكثر رواجا للسلاح الأميركي وصفقاته الهائلة في رأس أولويات السياسة الأميركية في المنطقة، كما أن الدفاع عن إسرائيل وحماية وضمان أمنها على حساب جميع دول المنطقة يظل هدفا متقدما للرؤساء الأميركيين وخاصة عندما يكونون على أبواب انتخابات جديدة غير مضمونة النتيجة، وكذلك فإن الحفاظ على مستوى عال من التدخل في شؤون المنطقة من أجل توظيفه في الصراع المصيري مع قوى العالمية أخرى يبقى جزءا مهما من السياسة الأميركية.‏

وعليه يمكننا أن نستنتج من خلال المعلومات المسربة حول هذه القاعدة والتي يمكن أن تستقبل زوارق صغيرة وسريعة ومروحيات وعناصر كوماندوس يقومون بمهام سرية خاصة، بأن الاستراتيجية الأميركية في المنطقة خلال المرحلة القادمة ستستند إلى عمليات تدخل محدودة بهدف الاغتيال والتخريب وإشعال النزاعات، لأن مصلحة واشنطن تستوجب إشعال المزيد من الحرائق في المنطقة شرط أن تكون هذه الحرائق خارج حقول ومنابع النفط، ولذلك يتوقع أن تستمر الأوضاع الأمنية غير المستقرة في المنطقة لفترات طويلة، ولا يستبعد أن تجري في ضوئها محاولات عربية وغربية لتصفية القضية الفلسطينية، ويبدو أن قطر بدأت مهمتها في هذا الاتجاه، ومحاولات لإثارة حرب أهلية في العراق، ومحاولات أخرى للنيل من البرنامج النووي الايراني، ولكن حسابات الحقل نادرا ما تتطابق مع حسابات البيدر لأن العالم بدأ بالتغير ولم يعد باستطاعة الولايات المتحدة قيادته بعصا غليظة..؟!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية