تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مصالح أميركا واسرائيل تحرك الاحتجاجات العربية

شؤون سياسية
الخميس 9-2-2012
د. أحمد نزار الوادي

تواجه الولايات المتحدة الأميركية اليوم اختباراً تاريخياً يتعين عليها فيه إيجاد صيغة لسياساتها الخارجية في الوطن العربي توفق فيها بين مصالحها الحيوية والاستراتيجية التي كانت تعتمد في ضمانها على دعم أنظمة غير ديمقراطية وبين قيمها الديمقراطية

التي كانت تسوقها لفظياً كأداة ضغط تهدد بها الأنظمة الحليفة لها في الوطن العربي لابتزاز المزيد من انصياعها للاملاءات الأميركية، لهذا السبب فإن أميركا تخطط لسلسلة كاملة من السيناريوهات تضمن ألاتكون أي حكومة جديدة معادية عداء كاملا لأميركا ولا معادية عداوة صريحة لإسرائيل، منوهين إلى سعي إسرائيل المستميت إلى تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير من خلال استغلال الاحتجاجات العربية لذلك نجد أن أيهود باراك وزير الحرب الإسرائيلي يطلب /20/ مليار دولار لتحديث جهاز الأمن الإسرائيلي, أما نتنياهو فيطالب بإقامة صندوق لتمويل مشاريع تعزيز هذه الأحداث وذلك بدعم استراتيجي سياسي وعسكري من واشنطن لتغيير المنطقة، وقد تم التحضير لذلك منذ مطلع الثمانينات من قبل خبراء جيش الاحتلال الإسرائيلي بقيادة غنينون بهدف ضمان الهيمنة الإقليمية لإسرائيل في ضوء تناقص الدعم المالي والعسكري المحتمل من الولايات المتحدة الأميركية .‏

وتنص استراتيجية غنينون على أنه لا يمكن تحقيق الأمن الإقليمي لإسرائيل دون رعاية جيوسياسية خارجية إلا من خلال تجزئة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر صراعات داخلية إلى دول صغيرة, ولذلك فإن أحداث الربيع العربي التي نشأت في المنطقة من وجهة نظر الأميركيين وبغطاء من جمعيات حقوق الإنسان أدت إلى تأجيج احتجاجات تحمل شعارات اجتماعية واقتصادية هادفة إلى زعزعة أمن واستقرار دول المنطقة إضافة إلى بث روح التفرقة الطائفية بين الشعب الواحد بدعم من المؤسسات الإسلامية المتطرفة في هذه البلدان للوصول إلى الحكم ليتفاقم الصراع العرقي الطائفي والذي بدوره يولد انفجار الوضع السياسي بهدف تسريع عملية التقسيم والتجزئة إلى كيانات صغيرة متنازعة فيما بينها.‏

وقد كان العراق الهدف الأساسي الأول المدرج في خطة غنينون والتي يجب تقسيمها في المدى الطويل إلى دويلات على أسس طائفية وعرقية. وتعد مصر الهدف الثاني من خلال إثارة نعرات طائفية بين المسلمين والأقباط المسيحيين بعد سقوط النظام المصري , داعياً كلاً منهم إلى إعلان دولتهم المستقلة وفقا للخطة الاسرائيلية. بعد زعزعة الاستقرار في مصر وإعطاء إسرائيل ذريعة لاحتلال شبه جزيرة سيناء, وأحد أهم أهداف مخطط غينون هو الضغط على سورية وإيلاء دور خاص للإطاحة بالسلالة الحاكمة في الأردن, والتي من شأنها نقل السلطة إلى أيدي الفلسطينيين وتشجيعهم على الهجرة من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى الأردن بهدف تهويد الدولة الاسرائيلية وهي أحد أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو حالياً.‏

كما سيؤثر هذا المخطط حتما على المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين والامارات العربية المتحدة واليمن وافغانستان وباكستان وايران وتركيا .‏

وستقوم قوات جيش الاحتلال الاسرائيلي في مثل هذه الظروف بإعادة انتشارها في المنطقة لضمان أمنها بأخذها دور الشرطي في ضوء الدعم الاستراتيجي العسكري الأميركي وقد نوقشت هذه الخطة في جلسة مغلقة لوزارة الحرب الاسرائيلية في نهاية عام 2010 ويعتبر المحللون الأميركيون أن بنيامين نتنياهو هو مهندس الربيع العربي من خلال آليات اللوبي اليهودي في اميركا والدول الغربية في سبيل تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير .‏

ومن الجدير بالذكر أن الانتفاضات العربية الجارية الحقيقية منها والمفتعلة في بعض الدول العربية طغت على أمر خطير حدث مع مطلع العام السابق وهو الاستفتاء على مصير جنوب السودان والذي أدى عملياً إلى فصل الجنوب عن وطنه الأم, وكذلك التهميش في الملف الفلسطيني وما كان عليه الأمر من تأزم في عملية السلام بسبب المستوطنات الإسرائيلية.‏

ويتوقع المحللون أن هذا التحول المفاجئ في سياسة الولايات المتحدة في المنطقة ينطوي على عواقب سلبية خطيرة ليس فقط بالنسبة للوضع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكن أيضا بالنسبة للوضع في العالم كله، وخصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب.‏

وهذا الدور الجديد لأميركا لا يخفي حقيقة أن مصالح أميركا وحلفائها هي خطوط حمراء لا يمكن المساس بها فمهما كان النظام البديل في تونس ومصر وغيرها فإنه يعي جيدا حدود تحركه وعلاقته بأميركا وبالأجندات الدولية وقد بات ذلك واضحا من خلال المواقف العلنية للبيت الأبيض والذي لم يخف خيوط اللعبة الأميركية في بعثرة الأوراق وخلطها في الشرق الأوسط تحت شعار الإصلاح والتغيير ودعم الديمقراطية بطريقة يتم من خلالها استحداث حالة فوضى في الدول العربية والإسلامية تتيح المجال أمام الولايات المتحدة الأميركية لاستغلال هذه الفوضى لصالحها ولحماية مصالحها في المنطقة تلك الفوضى الخلاقة التي هي برنامج أميركي قديم قائم منذ سنوات تستخدمه الولايات المتحدة الأميركية كبديل عن استخدام قوتها العسكرية المباشرة وفق احتياجاتها وحاجة مصالحها ومصالح حليفتها اسرائيل .‏

هذه الفوضى الخلاقة الأميركية التي تهدف إلى بناء شرق أوسط جديد تسعى أميركا لتنفيذه في الدول العربية تحت مسميات الديمقراطية وحق الشعوب باختيار ممثليها ستعيد التشكيل السياسي في تلك الدول بما يتوافق مع مصالحها الإستراتيجية وبما يتوافق مع رؤيتها الإستراتيجية لإسرائيل في المنطقة .‏

ومن هنا نلاحظ أن الولايات المتحدة الأميركية تكثف نشاطها في البحث عن كيفية التعامل مع التغييرات التي تشهدها بعض الدول العربية والتي تمثل مراكز مهمة للمصالح الإستراتيجية الأميركية منذ زمن بعيد .‏

لذلك ونظراً للالتزامات العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان حالياً فليس بوسع أميركا فرض نظام جديد على الشرق الأوسط عبر المواجهة العسكرية بل يجب العمل مع القوى الإقليمية لإعادة إرساء ميزان قوى جديد في المنطقة وتنبع أهمية الشرق الأوسط الاقتصادية من كونه يمتاز بوجود بترول منخفض التكاليف وبكميات ضخمة تشكل 30% من إنتاج النفط العالمي ويحتوي على ثلثي احتياطي النفط في العالم وكذلك وجود الغاز الطبيعي والذي يشكل نسبة 24,3% من الاحتياطي العالمي إضافة لأهمية خصائصه الطبيعية التي تكمن في أنه يقع عند ملتقى القارات الكبرى للعالم القديم آسيا وأفريقيا وأوروبا والبحر الأبيض المتوسط وبحر العرب والخليج العربي والمحيط الهندي ويتحكم في مجموعة من أهم مواقع المرور الدولية وهي قناة السويس ومضائق البوسفور والدردنيل وباب المندب ومضيق هرمز, وتأتي خطورة الثورات العربية على الاقتصاد العالمي لاعتماد العالم على هذه المنطقة بالتحديد في أكثر من نصف موارده من مصادر الطاقة وخاصة البترول .‏

منوهين إلى بدء عمل المحافظين الجدد بتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير خلال عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش والذي ينص على تقسيم الدول العربية الـ /22/ إلى مابين 54 و 56 كياناً متنازعاً على أسس عرقية وعقائدية ودينية ثم تم توسيعه في عهد الرئيس الأميركي أوباما ليشمل دولاً أخرى إما اعترضت أو عارضت سياسة الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية