تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مارك توين: تنبأ بالعولمة وفضح زيف أميركا

ثقافة
الخميس 9-2-2012
 ترجمة: مها محفوض محمد

يجمع النقاد على أن مارك توين هو الأب الروحي للأدب الأمريكي دون استثناء هكذا قال عنه كل من همنغواي و فولكنر وهوفنر ...فهو أعظم الكتاب الساخرين في عصره .

اليوم تصدر سيرة ذاتية اخرى عنه يكتشف فيها القارئ أن هذا الروائي الذي وصفت أعماله بالسخرية السوداء والذي مارس العمل الصحفي الى جانب كتاباته الأدبية ونشر عشرات القصص فوق صفحات الجرائد الأمريكية أواخر القرن التاسع عشر يكتشف بأنه أول من تناول العولمة بأسلوب ساخر وأنه كان من أشهر مناهضي الطموحات الأمبريالية لبلاد العم سام. فمن يطالع اليوم أعمال مارك توين الكاملة التي صدرت مؤخرا تحت عنوان «المراكب الضالة» يكتشف أن كتاباته هي بنت اليوم أكثر مما هي ابنة عصره حيث أن تقديم الولايات المتحدة المساعدات للدول الفقيرة تحت ذريعة انقاذ الشعوب من الفقر والمجاعة والأزمات ليس سوى خديعة للهيمنة الأمريكية على دول العالم .‏

هذا ما كتبه توين وعبرت عنه مؤلفاته كذلك كان الأمر بالنسبة لطروحاته حول الهجرة الى الولايات المتحدة خاصة هجرة العمال الصينين من هونغ كونغ المستعمرة البريطانية يومذاك واستغلال تلك الأيدي العاملة الرخيصة وتشييد سكك الحديد على طول امتداد الولايات الأمريكية بسواعد هؤلاء كما يعري مارك توين في مجموعته الكاملة المساعي الأمريكية المدعوة بالسلمية لما تعتبره الحديقة الخلفية لها وتخفي حروباً مفتعلة للسيطرة على ثروات تلك البلاد , ولا يكتفي توين بالاستعمار الجديد والتنديد به لا بل يتناول المستعمرين القدامى من بلجيكيين وفرنسيين وبريطانيين بانتقادات لاذعة لطموحاتهم الاستعمارية وتقاسمهم جزر ماوراء البحار في الكاريبي والأطلسي .‏

ومع أن شعبية هذا الاديب المتعدد المواهب لم تنخفض في الولايات المتحدة الا ان الترجمات الى اللغات الاخرى لم تشمل جميع مؤلفاته انما اقتصرت على بعضها مثل :»توم سوير» و «هاكلبيري فين» التي تناولتها مسلسلات تلفزيونية في ستينات القرن الماضي وأفلام سينمائية كانت للبالغين كما هي للشبيبة في حين لم تشهد رواياته الأقل شهرة مثل «أمريكي في بلاط الملك ارثر» و «الأمير والفقير» سوى اقتباسات سينمائية .‏

وقد اعتبرت روائعه غير المترجمة وهي قصص قصيرة محكية أنها كتبت لتسمع بلهجات ونبرات شخصياتها الثرية وبعد نصف قرن من وفاته صدرت له روايتا «الغريب الغامض» و «الرقم 44» وفيها تظهر سوداوية ومأساة حياته مترجمة في يوميات تلك الشخصيات كما في شخصية توم سوير على سبيل المثال التي تعري المجتمع الأمريكي في القرن التاسع عشر كمجتمع ينهشه الجشع المادي والجريمة والتسول والأزمات الاقتصادية التي لم تتوقف عبر تاريخ الولايات الأمريكية ثم زادت تلك السوداوية عند توين مع وفاة ابنته الكبرى عام 1896 واصابة ابنته الصغرى بالصرع ووفاة زوجته المفاجئة عشية أعياد رأس السنة لذلك بقيت سيرته الذاتية معلقة ولم يستطع أن يكملها لأن المنية وافته في نيسان عام 1910 لكن خلال تلك السنوات المأساوية ظهرت له روايتا «الغريب الغامض» و «الرقم 44» اللتان لم يتناولهما النقاد كما يجب لا بل لم تنشرا الا بعد وفاته .‏

لقد تركت اسهاماته الصحفية وذيوع صيته عبر ضفتي الأطلسي أثرا بالغا على كوكبة من الأدباء ساروا على خطاه حيث قال  عنه عملاق الأدب الامريكي فولكنر: » مارك توين هو جدنا جميعا نحن كتاب الرواية في أمريكا «.‏

تكاد أعمال مارك توين التي توجهت في بداية المطاف الى الناشئة والبالغين أن تصبح اليوم مرآة لمجتمع أمريكي استهلاكي وليد عصر المكننة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبقيت شخصيات روايات توين رغم انها تطلع الى تمثال الحرية بقيت أقدامها تغوص في وحل فضائح المجتمع الامريكي من فقر ومجاعة وتخلف ولم تخرج منه الا بعد الحرب العالمية الاولى .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية