تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فن التصوير التشبيهي... وحنين وفاء كريدي

ثقافة
الخميس 9-2-2012
تماضر ابراهيم

افتتح في مركز ثقافي أبو رمانة معرض للفنانة وفاء كريدي، ضم المعرض 27 لوحة بأحجام متوسطة تعالج فيها الفنانة موضوعا محددا تنطلق به من البيئة الريفية السورية القديمة وتفاصيل الحياة الإنسانية والاجتماعية فيها خاصة المرأة الريفية وبساطتها ولباسها التراثي،

فرسمت البيوت الطينية والأزقة الضيقة والنوافذ والأبواب الفقيرة والمساجد، أنشأت كتلها في اللوحة باسلوب طفولي مركب وأطلقت على كل لوحة اسما مختلفا، استخدمت ألوانها وتقنياتها الهادئة البسيطة التي تخدم فكرتها، معتمدة في اسلوبها الفني الواقعية المبسطة أو الواقعية البسيطة.‏

عند جولة تدقيقية في الأعمال نجد أنها تنتمي إلى عوالم زخرفية متأملة حالمة لها مدلولاتها، تستند إلى خلفية مستمدة من الذاكرة، حتى الألوان جاءت بطريقة زخرفية ونحن نعرف أن اللون هو أحد الوسائل الزخرفية وقد عرفه الفن منذ عصور موغلة في القدم، أيضا التكرار لعناصر تكوين اللوحة سواء الجدران الطينية أو الأثواب أو الأواني، جميعها موجهة لخدمة جمالية الفكرة باسلوب زخرفي وهذا نوع من الفن التطبيقي إن صح القول لطبيعته التزيينية ولارتباطه بحوامل استعمالية وفنية منسجمة تحقق المتعة البصرية والحسية والنفسية، وتتوفر فيها معاني ترتبط بالبيئة الحياتية وجمالياتها، هذه الصيغة تمتد جذورها الفنية لجمالية النقش (الرقش) أو الأرابيسك الذي يعني لانهائية الحركة الناتجة عن التكرار، تشحن الفنانة زخارفها بطاقات تعبيرية تتجلى في إقحام العناصر الواقعية التشخيصية لتصبح تعبيراً عن قضية معينة وهنا تبدو قضيتها في الحنين إلى زمن ساده الأمن والطمأنينة بعيدا عن تكنولوجيا العصر ذات الحدين التي نقع جميعنا تحت وطأتها اليوم في سلبياتها التخريبية التي تبدو سلاحا موجها ضد الأمن والأمان والاستقرار الذي عودنا عليه الوطن.‏

الباوهاوس والفنون الإبداعية‏

لجأت الفنانة إلى نوع من الزخرفة وهو فن التصوير التشبيهي الذي يهدف إلى التزيين ونلاحظ التكوينات المجسمة المرسومة بواقعيتها التقريبية وربما يمكن القول أن هذه الأعمال تنتمي إلى الباوهاوس المدرسة الألمانية التي ألغت الفروق بين الفن التشكيلي والفن التطبيقي وجمعتهما تحت عنوان الفنون الإبداعية.‏

نحن لا نبخس الفنانة حقها عندما نقول زخرفة أو تزييناً، فهذا يعني تصميماً أو تنسيقاً منمقاً بعيداً عن التعقيد والكثافة والترف ولكن متكامل أومترابط بعناصر شرقية تعتمد على مبادئ الفن التشكيلي ذاتها، سواء بالخط، اللون، الكتلة، الفراغ، الظل والنور، الحركة، فيتكون العمل الزخرفي أو اللوحة، حاولت الفنانة الانتفاع من جمالية الزخرفة من حيث التناسق والتناسب والتناغم بشكل لافت للانطلاق إلى القيم التشكيلية التراثية في الموضوعات التي عالجتها وكان ذلك واضحا من صيغة التعبير.‏

اهتمام بالمرأة‏

عندما التقينا الفنانة وفاء تحدثت عن فكرة المعرض بالقول: الأعمال كلها تتناول الحياة التراثية، وقد حاولت في معرضي هذا أن أخرج عن المألوف باعتباره المعرض الفردي الأول بالنسبة لي، فرسمت في لوحاتي الأحياء الدمشقية القديمة جدا، استوحيتها من خيالي، وهي أعمق مما هو دارج اليوم في لوحات الفنانين الذين رسموا دمشق القديمة، استحضرت في أعمالي طريقة حياة المرأة في الريف، وكفاحها في العمل، الذي تعتبره الشيء الأساسي في حياتها، أظهرتها بشكلها البسيط والمتواضع المكافح واعتنيت بها بشكل خاص فلم يرد الرجل إلا مرتين وكان لخدمة التكوين فقط.‏

حاولت أن أتناول في كل عمل جانبا معينا من طرق الحياة في الريف بشكل عام وحياة المرأة بشكل خاص، وكل لوحة تحمل اسما معينا يدل على هذه الحياة مثل (جني التفاح، من البيئة الريفية إلى النبعة، بائعة العسل، حي قديم من الريف، بائعة الجرار، المختار، إلى الحمام، حانوت في حي ريفي قديم، العلية وغيرها)، حيث مزجت الكثير من الألوان الترابية لأصل إلى اللون الطيني الطبيعي، لأظهر جميع البيوت الدمشقية بشكلها القديم الأقرب إلى الواقع،‏

اخترت فكرة البيئة الريفية لأعيد الحياة لها، من خلال طبيعة التكوين في كلّ لوحة حيث كان هدفي خلق جوَّ من الدفء الخاص الذي تميزت به تلك الفترة الزمنية والذي نفتقده اليوم، ومن خلال الأفكار المطروحة مثل الأزياء والبيوت والحارات والجوامع، أحاول استعادة هذه البيئة التي دفنت مع الزمن، للإشارة إلى الراحة النفسية التي نفتقدها اليوم، معتبرة أننا بحاجة ماسة إلى ما يمنحنا هذه الراحة، بعد كلِّ ما نشاهده من صور تتعب الأعصاب، هذا كله عكسته على لوحات عدت فيها إلى بيوت طينية قديمة حانية وحنونة كانت تمنح ساكنيها الدفء في الشتاء والبرودة في الصيف، استخدمت اللون الترابي، وزيَّنته ببعض التفاصيل الملونة المتمثِّلة في البساط القديم والأزياء النسائية.‏

في الألحان تعاد المقاطع‏

الفنانة اعتبرت لوحاتها لحنا موسيقيا واحدا متجانسا قامت بعزفه فكررت بعض المقاطع وهذا التشبيه تبرر به تكرارها لبعض اللوحات وتصفه بأنه يحمل هوية واحدة، وكأنها الحياة اليومية في حارات متشابهة،‏

وأضافت كريدي أنها تهتم عادة برسم البورتريه، ولكنها أرادت في معرضها أن تشير إلى بيئة مليئة بالحنين إضافة إلى قناعتها بعامل الجذب الذي تختزنه اللوحة الفنية المتضمنة للمنظور لما لهذه اللوحة من إحساس خاص، لا ينتهي رغم الحداثة.‏

أما افتقار المعرض للنسب الضوئية بررته الفنانة بأنها اعتمدت الألوان الطينية كعنصر أساسي في اللوحة،وهذا ما أبعدها عن التعامل مع النسب الضوئية وامتزاجاتها مع اللون لأن الإحساس هو هدفها الأول في اللوحة الذي أرادت إيصاله للمتلقي.‏

لا تكترث كريدي بمعايير بيع الأعمال الفنية لذلك قدمت ما تحبه وما ترغب في إيصاله إلى الجمهور والأهم من ذلك هو مشروعها الفني الحقيقي الذي يرتبط بعالم المرأة بشكل عام، والمرأة الريفية بشكل خاص ضمن بيئتها وسلوكيات حياتها الطبيعية.‏

وقد أشارت في لقائنا معها إلى احتمال اقتناء الوزارة لعملين من معرضها.‏

‏

بطاقة شخصية‏

- الفنانة وفاء كريدي خريجة كلية الفنون الجميلة- قسم الإعلان عام 1996.‏

- درست مادة المنظور الهندسي والرسم والسكيتشات وتصميم الديكور بشكل خاص.‏

- شاركت في العديد من النشاطات الفنية، كرسم بروشورات للطفل العربي، ورسم لوحات عن دمشق القديمة، ورسومات لعدة كتب من اصدارات وزارة الثقافة، ومن مشاركاتها الفنية أيضا رسم البورتريه في مجلتي المعرفة وشرفات.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية