تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كل خميس...اســــتراحة مــع المتحذلقيــــن

ثقافة
الخميس 9-2-2012
حكيم مرزوقي

(زبيدة بن خلف) رجل متحذلق جعله الجاحظ على رأس أبطاله في رائعة البخلاء ضمن مشهد كاريكاتيري أخاذ.

قال زبيدة مقرعاً خادمه الذي جاءه بديك مشوي و مقطوع الرأس:‏

أين رأس الديك؟ ألا تعلم أيها المغفل أن الرأس رئيس الأعضاء, ومنه يصيح الديك ففيه الحواس الخمس كالعبن التي يضرب بها المثل قي الصقاء فيقال: شراب كعبن الدبك..‏

- الخادم: لقد رميته يا سيدي.‏

- زبيدة: اخرس قطع الله لسانك ورماه قي بطنك كما فعلت برأس الديك....­­).‏

واستطرد زبيدة بن خلف يستعرض مناقب الرأس ومزاياه في أسلوب يعتمد سلاسة المنطق ومتانة اللغة وقوة الحجة والاقناع حتى خر الخادم منهاراً عند ركبتي سيده متوسلاً السماح ومتعهداً بعدم تكرار مثل هذا الجرم الشنيع.‏

هكذا بقي الجاحظ صاحب المدرسة الفريدة في الكتابة النثرية تلميذاً وفياً لأستاذه أبي اسحق النظام أحد كبار شيوخ المعتزلة من المتكلمين الذين تأثروا بسقراط وأرسطو وأولي العقل عناية خاصة حتى أنهم قسموا الانسان الى ثلاثة (طوابق)، أسفلها الغرائز وأوسطها العواطف والاحتياجات، أما أعلاها وأهمها فهو الرأس الذي أحيط بهالة من التقدير والإجلال لما يمثله من سلطة الفكر والتدبير، لذلك كرموه منذ اكتشافه بالتيجان والريش وشتى أنواع العمائم والطرابيش والطاقيات, كل حسب موروثه البيئي والثقافي.‏

هل كان رأس الديك المقطوع مجرّد ذريعة يستعرض من خلالها الرجل  ثقافته في علم المنطق والتوليد السقراطي، أم كانت كل هذه المعارف حقا  ذريعة للتغطية على بخله ورغبته في أكل الديك برأسه وريشه (لم لا، ان كان يتسلح ببعض الاطلاع عن مزايا الريش؟)‏

من له مصلحة قي رواية هذه الحادثة؟ السيد أم الخادم؟‏

من هو الثالث الشاهد والراوي؟‏

أغلب الظن أن الحادثة من صنع خيال الجاحظ وأن الغاية التي يهدف اليها ليست التفكه والسخرية من بخلاء أهل (مرو) ومن ثم  الرد على تيار الشعوبية والتمايز العرقي الذي ساد آنذاك وإنما النفاذ الى شذوذ السلوك الانساني النافر عبر مسألة البخل نقيض الكرم أحد أهم أدوات التواصل بين أقراد المجتمع وتبرير ذلك بأدوات مستحدثة ومستوردة وهي علم المنطق.‏

hakemmarzoky@yahoo.fr

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية