تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حول مفهوم (التنوير).. سياق تاريخي..

آراء
الخميس 9-2-2012
يوسف مصطفى 

الكثير من المفردات شاع، استخدامها حول مفهوم /التنوير/ منها: الإحيائية، الاصلاح، الدولة الرشيدة، النهضة إلخ.. السؤال في تقديري يقتضي تحديد دلالة المفاهيم بداية لنستطيع مقاربتها فكرياً، وتاريخياً،

فإذا قلنا: الإحياء أو الإحيائية فأنا افترض أن المفهوم يقتضي عادة بعث الحياة في الوطن.. وعلى مستوى الأمة، وهذا يقتضي إحيائية ثقافية، واجتماعية، واقتصادية.. والمفهوم الإحيائي يوحي بسياق تاريخي.. كأن مرحلة إيجابية مضت، ويجب إعادة إحيائها.. ليس بمعنى إنتاج المرحلة أو الفترة فهذا غير ممكن لكن المفهوم يحمل الإضافة، والجديد، ومنهجه: الاجتهاد، والمبادرة، والبناء على الإيجاب.‏

الفكر الإحيائي والحراك الإحيائي يأتي استجابة لنوعين من التحدي، التحدي الخارجي، تحدي العصر، وأين وصلت الشعوب المتقدمة وتحد داخلي تمليه حاجات الحياة من طعام، ومسكن، وتعليم، وغيرها.‏

في السياق التاريخي يرى بعض المفكرين أن لكل عصر إحيائيته فمثلاً كان الرسول الكريم إحيائياً كبيراً، ومتنوراً كبيراً، وقائداً اجتماعياً كبيراً أحدث عبر الرسالة الإسلامية نقلة حضارية للعرب من الجاهلية، وحروبها، وعصبيتها إلى الإسلام، وأبعاده الاجتماعية، والإنسانية، وجاء بعده الخلفاء الراشدون فتابعوا الإحيائية الإسلامية، وأبعادها الاجتماعية، والإنسانية، وجاء بعده الخلفاء الراشدون فتابعوا الإحيائية الإسلامية، وابعادها الاجتماعية والإنسانية.. وفي الفترة الأموية قام إحياء قومي أكد عروبة الدولة.. وقومية انتمائها.. وفي الفترة العباسية، كان الإحياء فكرياً، وفلسفياً تجلى في فكر الاعتزال وأخوان الصفا، واشتغالات الجاحظ، وأبي حيان التوحيدي، وفلسفة المتنبي، وابن سينا، والكندي، والفارابي، وحلت محلها الدويلات وجاء الغزو المغولي، والإفرنجي، والاستعمار الأوروبي الحديث.. حتى مطلع النصف الثاني من القرن التاسع عشر ليبدأ إحياء جديد برؤى وتطلعات مختلفة حمل كل منهما أفكاره لكن هذه الأفكار الإحيائية لم تشكل مشروعاً، وبقيت أفكاراً تنويرية حملها أفراد ومثقفون ومتنورون إسلاميون، ومسيحيون، هذه الأفكار الإحيائية حملت إعاقتها فكانت تنوس بين زمن ماض متخيل، وزمن قادم متخيل أيضاً وبعضها طرح أسئلة الحاضر بخبرة الماضي. بدل مساءلة الماضي بفكر الحاضر وخبرته.‏

لقد تحدث /رفاعه الطهطاوي/ 1801 - 1873م عما سماه (التمدن) بدلاً عن (سوء الحال) وتحدث /طه حسين، وعلي عبد الرزاق/ عن (الجديد) في مواجهة (القديم) وكتب /محمد كرد علي/ عن (الحديث) الذي يرفض (القديم).. وقد اجمع الكل على (سوء الحال)، وضرورة التحرر منه.‏

تحدث /عبد الرحمن الكواكبي/ عن (الاستبداد) وتحدث الشيخ /محمد عبده/ عن (الجمود).‏

في الرؤية التنويرية /لطه حسين/ تحدث في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) عن هوية متوسطة.. حيث نسب التاريخ المصري القديم إلى تاريخ البحر المتوسط ونسب تاريخ البحر المتوسط إلى المعجزة اليونانية والحضارة الأوروبية لذلك كان مأخوذاً بعاملين: كونية العقل الإنساني، وكونية الحضارة الحديثة، وعلى من فاته الارتقاء أن يتعلم ممن تفوق عليه.‏

يصف بعض الباحثين /عصر التنوير العربي/ إن صحت التسمية أنه اعتمد الاصول بمعنى الماضي، وأسس لمرحلة يعاد فيها إنتاج هذا الأصل، وأنه حمل تناقضه فقال: بالأصل الثابت، وضرورة التطور، هذا في جانب والجانب الثاني كان تبعياً، تأثر بالغرب، وفتن به، وهذا لا يمنع في تقديري ولا يلغي ما هو إيجابي فيه فهو متعدد النزعات يجمع بين الأصولي الإسلامي والحديث التطوري، وبين المثقف الازهري، والفلسفة الديكارتية.. هذا التعدد يعطيه نسبية المعرفة، وإدراك كل تيار لجانب منها، وبذلك بقي فكراً مفتوحاً على الحوار سمح بالحوار بين أفكار محمد عبده وفرح انطون مثلاً، وبين طه حسين وساطع الحصري.. لعل واقع الحياة وحاجاتها الاجتماعية وضرورتها دعت لهذه المقاربات المتباينة في الرؤية التنويرية حيث تمازج المعرفي مع الأخلاقي، والقديم مع الجديد.‏

لقد تعامل/ الفكر التنويري العربي/ بأشكال لم تكن متكافئة مع قضايا: الاستبداد - الوطن - المواطنة - الاستهلاك - المرأة - القومية - المدرسة- اللغة - الإصلاح إلخ.‏

بمعنى أن أسئلة التنوير انطلقت من واقع قائم ولكن برؤى مختلفة هذه الحاجات وإلحاحها أملت الانفتاح على (الآخر) وأفكاره في تصور قلق يجمع بين رفض الآخر، وقبول بعض مالديه، والآخر الذي أعنيه هو الغرب..‏

يبقى لنا اليوم من الفكر التنويري العربي أخلاقية البحث عن المعرفة والتسامح وتعدد الاجتهادات والجرأة على تجاوز اليقين الذي أعطته أفكاراً: فرح انطون، وعلي عبد الرزاق، وطه حسين، وغيرهم.‏

وهناك الكثير من النصوص التي كتبت تحمل حداثتها، وتنظر إلى المستقبل، ولاتأخذ بالماضي كنصوص: قاسم أمين، وطه حسين، وسلامة موسى، ذلك أن التنوير يعني الذهاب إلى المستقبل والاستئناس بالماضي بعقلانية نقدية، وعلى الفكر العربي أن يستأنف أشكال تنويره، وما أحوجنا إلى التنوير اليوم وأمتنا تعاني ما تعانيه.‏

كاتب وباحث‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية