والساسة الأميركيون بما يمتلكونه من غطرسة ظنوا أنفسهم أنهم قد ربطوا شعوب العالم بعقدة التبعية والخضوع والاستلاب والخضوع ولا يوجد أحد قادر على الفكاك منها , إلا إن الفيتو المزدوج الذي فجره الروس والصينيون في وجه الولايات المتحدة الأميركية دفاعاً عن الحق وعن سورية و التي قالت الإمبراطورة كاترين الروسية فيها مقولتها الشهيرة : سورية مفتاح بيتي وهذا الفعل الروسي اليوم قد فك عقدة «غورديوس» والتي ظن الأميركيون انه ليس هناك من يستطيع فكها وهي التحكم بالقرار الدولي وركوب هيئة الأمم المتحدة لتأديب الشعوب الخارجة عن طاعتها والرضوخ لمشيئتها لكن حفيد الاسكندر الأكبر قد فك العقدة بضربة سيف, إن هذا الفيتو يذكرنا بما فعله الرئيس السوفياتي الأسبق خروتشوف عندما رفع الحذاء الروسي أول مرة خلال إحدى جلسات الأمم المتحدة في خمسينيات القرن الماضي وضرب به الطاولة احتجاجاً على السياسة الأميركية في ذروة الحرب الباردة , إنه إعلان واضح أنه لم يعد بالإمكان السكوت عن التعجرف الذي أخضع العالم لسنين طويلة تحت رحمة شريعة الغاب والغرب، وانذار لقادة المستعمرين الجدد بأن شهر عسلهم قد انتهى وإن زمن الإمبراطوريات الاستعمارية قد ولى فها هو التنين الصيني الذي نهض فارضاً نفسه بقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية، والدب الروسي هو الآخر استفاق وصحا من ترنحه ورئيس الوزراء الروسي صرح أن زمن القطب الواحد قد انتهى :إنه إعلان نهاية مرحلة من تاريخ المجتمعات البشرية والعلاقات الدولية التي هيمنت عليها أميركا منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي, حيث مارست واشنطن دور بلطجي العالم وتدخلت في معظم شؤون الدول وقتلت واحتلت ودمرت باسم الشرعية الدولية التي سخرتها لمصالحها في ظل غياب موازين القوى الدولية , إنه إعلان بداية مرحلة الشعوب المقاومة وتحررها من مخالب الامبريالية العالمية بفضل عظمة الشعب الروسي الذي أوصلته للنهوض من كبوته و الخلاص من كل نقاط الضعف والترهل و توافر القيادة القوية التي أعادت لروسيا هيبتها , ودورها المركزي في حماية ودعم حركات التحرر في العالم ونصرة الشعوب المقاومة من أجل سيادتها واستقلالها من براثن الاستعمار , وصمام الأمان للمجتمع الدولي والعامل الأساسي في تحقيق التوازن الدولي.
إن ما دفع روسيا لأخذ الفيتو أيضاً هو أنه لم تكن صياغة القرار المقدم واضحة ودقيقة فيما يخص استبعاد التدخل العسكري في سورية , وعدم إعطاء روسيا الفرصة للتأجيل لكي يتمكن وزير خارجيتها من زيارة سورية والسبب الأهم هو تخوف الروس والصينيين من التغول الأميركي في المنطقة بعد هزيمتها في العراق لأن روسيا تعلم أن ما تسعى له واشنطن هو سياسة عدوانية تستهدف المقاومة والدول الممانعة لسياستها بالإضافة لتخوف موسكو من المد التكفيري الأصولي الإسلامي في المنطقة الذي ترعاه واشنطن والذي يمكن أن يهدد الأمن القومي الروسي مستقبلاً، كل هذه العوامل ساهمت في اتخاذ الفيتو المزدوج للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر.
إننا على ثقة أن الأميركيين راحلون من المنطقة , وان عملاءهم لن يستطيعوا الصمود طويلاً لأن شعوب المنطقة قد استفاقت وانكشف دورهم التآمري ضد شعوبهم ولن يستطيع غربان الخليج العربي ولا « أوردوغانهم» ولا كيانهم الصهيوني تنفيذ مهامهم كيفما وأنى شاؤوا لأن الوضع قد تغيير منذ 4 شباط 2012 وإمبراطوريتهم بدأت تهتز دعائمها , وبدأ خريف الرأسمالية العالمية, وها هي أوراقه تتساقط, وبدأت الشعوب المقاومة تقترب من نصرها . وهذا ما أكده الزعيم الكوبي فيدل كاسترو وهو الخبير بالصراع مع الامبريالية الأميركية منذ نحو نصف قرن حين قال: إن الولايات المتحدة الأميركية أصبحت من الضعف بحيث لم تعد قادرة على احتواء الموقف في حال وقوع حرب نووية .
على أي حال:إذا كان استعمال حق النقض المزدوج الروسي الصيني يشكل دعماً لسورية في حماية حدودها وأراضيها وفي لجم حماقة جنونية قد تصدر عن الغرب الاستعماري أو أتباعه فإن السوريين يؤمنون بأن لا شيء يحمي سورية سوى السوريين أنفسهم, من خلال تلاحمهم وتمسكهم بوحدتهم الوطنية وتلاحمهم مع جيشهم وقائدهم وعملهم من أجل الخلاص من كل مظاهر الضعف والدمامل التي ظهرت في الجسد السوري للوصول إلى ترسيخ الثقة بين المواطنين والدولة والتي تعززها محاربة الفساد بكل أنواعه والاهتمام بهموم المواطن المعاشية واختيار النهج الاقتصادي المعبر عن الفئات الشعبية الواسعة في المجتمع, مع السير بالتوازي في تنظيف المجتمع من العناصر الإرهابية المسلحة والجماعات التكفيرية المتخلفة وكل القوى العاملة على تفتيت الوطن. من خلال تعزيز الحوار والمواطنة الحقيقية في المجتمع من أجل عزة ومنعة الوطن .