تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ماريو دي أندرادي البرازيلي... وجماليـة الشـر الأكبـر في «ماكونايمـا»

فضاءات ثقافية
الثلاثاء 21-2-2012
اعتبر ماريو دي أندرادي بصمة وراثية في شريان الأدب البرازيلي لا بل في عموم جسد الثقافة البرازيلية خلال القرن العشرين بسبب جرأة طرحه اللامهادن لمعنى التفكير الفني السائد، كما عدّ ثائراً شرساً بسبب دفاعه المستميت عن أطروحاته الأدبية ماجعله يرتقي إلى مصاف رواد الحداثة مع بداية القرن المنصرم.

ولد ماريو دي أندرادي، وهو أحد المفكرين الذين افتتح بهم القرن الماضي تقويمه العددي، بمدينة ساو باولو سنة 1893.. وهو شاعر وموسيقي وباحث، كاتب روائي فرض أسلوبه الحداثي على أشكال الفن التقليدية السائدة آنذاك.‏

شارك وهو ابن التاسعة والعشرين في فعاليات أسبوع الفن الحديث الذي نظمته بلدية سابو باولو واحتضنه مسرحها وكان جنباً إلى جنب مع فنانين كبار أمثال: مالفاتي أنيتا، دي كالالكانتي، هيطور فيلا لوبوس، وأوزوالد دي أندرادي.. طريقته المختلفة في التفكير وإبداعه المتميز جعلا منه في نظر الرأي العام رجلاً «ثائراً» وبذلك وصم بدايات جيل الحداثة في البرازيل.‏

كان ماريو متفرداً بين معاصريه من الكتاب والروائيين عندما طرح مشروعاً ضخماً استهدف إحياء الثقافة البرازيلية بكل محمولاتها وجذورها وساعده في أخذ زمام المشروع على عاتقه فكرة وتجسيداً, انضباطه ومنهجيته المفرطة إذ كان يستغرق كل وقته في البحث والتمحيص في مجالات الأدب والفلكلور والنبش في الموروثات التي ظلت على سليقتها تتداول بين العامة وقد اكتسب الرجل حسه النقدي من رغبته اللامحدودة في إعادة إبراز خصوصيات الفن البرازيلي وجعله مستقلاً ومحسوساً.‏

وبقي كذلك إلى غاية سنة 1928 حين اجتاحت الرجل رغبة متأصلة للكتابة دفعته لخلوة مستمرة دامت أسبوعاً ظل خلاله يكتب بنهم منقطع النضير وكان يدرك حينها أن لهذا الزخم المفاجئ والرغبة الملحة شيء ما جعله يخرج عن صمته المستغرق في البحث والتنقيب بل كان ذلك ربما هو الدافع والأثر الذي حرك فيه المقدرة على البوح، ولما انقضى الأسبوع وجد كومة الأوراق التي كتبها تستقيم فوق مكتبه رواية كاملة المعالم تدور حكايتها حول مغامرات بطل رمز به إلى وطنه البرازيل.‏

جمع ماريو دي أندرادي فصول أولى رواياته الصادرة العام 1928 والتي أطلق عليها عنوان مثير هو «ماكونايما».. وهي شخصية رئيسية واحدة عدت الرواية ذات النفس الحداثي من روائع، ليس الأدب، بل الثقافة البرازيلية ككل.‏

كتب ماريو رواياته في قالب من السخرية والنقد اللاذع واعتمد في طرح وقائعها على المحمول الميثولوجي لبلاده البرازيل فلا غرو أن تدور أحداث روايته على ضفاف نهر الأمازون لكن الكاتب عاد بنا إلى الوراء كثيراً عندما أوعز بطولة الرواية إلى شخصية أطلق عليها اسم «ماكونايما والتي يعني تفسيرها «الشر الأكبر».‏

ينتمي بطل الرواية إلى قبيلة هندية قديمة من منطقة الأمازون وكذلك تبدو البيئة البدائية للحكاية مستقاة من الفلكلور البرازيلي الصرف المتجذّر في سكان الأرض الأصليين الذي نعني بهم الهنود الحمر وبذلك أسس ماريو من خلال روايته للغة أدبية برازيلية صرفة.‏

ومن خلال بطل الرواية المحرك الأساسي لأحداثها يوضح لنا في الأساس طريقة تفكير وسلوكيات شعب ما زال في طور البدائية تتمثل هويته في مزيج بين الثقافات المتوحشة في أصلها الكوني المتجذّر في التاريخ القديم, وكل ما يتعلق بالميثولوجيا والأساطير.. وتتخذ هذه المرجعيات الثقافية أوجهاً عدة على مدى التاريخ فهي جيدة وسيئة بريئة وكسولة وأحياناً كاذبة.‏

لكن إذا كانت شخصية ماريو دي أندرادي بصفة «البطل المضاد» فإن سيرورة بنيته المورفولوجية على النقيض تماماً من ردود أفعاله فقد شهد نمواً جسدياً متسارعاً وكانت هذه إرادة الكاتب ورغبته في عرض ثم تفجير الجانب الطفولي- البدائي أساساً الكامن في كل ذات متطورة وربما عنى بشخصيته تلك النزعة البدائية والشريرة- المتناقضة، حقيقة كل ذات متحضرة بالمفهوم الحضاري الحالي.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية