تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


على هامش معرضه الأخير في الثقافي الروسي ... مفــــردات ولوحـــــة فــــي تجربـــة أيمــــــن رضــــــوان

ثقافة
الثلاثاء 21-2-2012
جمال العباس

كان ضمن مجموعة من الشباب جاءت مبكرة بعد منتصف السبعينيات للدراسة بمركز الفنون التشكيلية، الذي لم يمض على تأسيسه سوى بضع سنوات.

ومنذ البدايات كان يحمل بداخله دلالات تشير بوضوح إلى إمكانية فنية، تبحث عن متنفس لها.. وأثناء دراسته كانت مشاريعه لافتة لمدرسيه، تتسم بطروحات لونية وشكلية تعدت المرسوم والمقرر، وحملت نفحات مستقبلية تبشر بعطاء له قيمته ومؤثراته.‏

بقي لسنوات عديدة متعلقاً بالتفاحة، والقنينة والكأس والإبريق وقطعة القماش كمكونات لمشاريع لوحات في الطبيعة الصامتة كان المركز ومازال يعتمدها عادة للتدرب على الرسم واللون.‏

وشكلت له تلك المكونات المحطة الأولى في عملية التأمل والبحث والتجريب ومنها استطاع أن يشق طريقه بثقة الفنان العارف بإمكانية وأدواته وتطلعاته.‏

ومن تلك المكونات التي أعتقد أن الفنان لم تأسره بشكلها الخارجي فقط أو بقيمتها النفعية، بل بما توحيه من اشراقات مولدة لعوالم لها معانيها ومحركاتها ورؤاها الجمالية، فقد تختفي هذه المكونات بهيئاتها العامة تاركة خلفها إيماءات تعبيرية قد تنهض بعناصر إنسانية كاملة أو ناقصة.. وجوهاً لرجال ونساء.. متلاحمة أو منفصلة،أخذت مواقعها بتنضيدات أشبه بالطبيعة الصامتة أو راحت تطرح نسيجها الخاص، وما تحمله من مؤثرات مختلفة تبدو بعيدة بالشكل، لكنها قريبة بالأنفاس والجذور.. والمحصلة أننا نقف أمام أشكال رسمت مباشرة بألوان اتسمت بصراحتها وبساطتها رغم تمشيحات خطية، وبقع لونية شاردة توحي بشيء من المنمنمات والزخرفة، ورغم الكثافة اللونية أيضاً في حالات أخرى يلجأ إليها الفنان لإحداث حالة من التعبير التراكمي، معزز بشبكة من الخطوط التي كثيراً ما تنهض بالأشكال وتحدد معالمها ومواقعها ودرجات التأثير فيها بواقعية ما، حملت ملامح الطبيعة ببعض من مكوناتها كمورد أساسي للفن، وانطباعية بفائض تعبيري خرج من لدن الفنان وقواه الإبداعية، وراح يغذي هذا الواقع ويشحنه بأنفاسه الخاصة، التي تجلت في كل أعماله، وصارت خاتمته وعلامته المميزة.. وأعماله التي ضمها معرضه المشترك الأخير مع عبد الله عبد السلام في المركز الثقافي الروسي لم تكن إلا واحدة من سلسلة معارض عديدة ومتلاحقة برز فيها الفنان بنهجه وطروحاته والأسس التي يعتمدها في توصيل تجربته الفنية بقواها الذاتية ومفاعلها المؤثرة إلى غاياتها، بصدق الإحساس وبراءة الأطفال، تلك البراءة التي حملتها أعماله دون أن يكون للأطفال تمثيل شخصي كان قد عرف طريقه إلى مفردات الفنان وتشكيلاته، لكن الطفولة ظلت حاضرة، ليست بشكلها الخارجي إنما بالروحية التي تعبر عنها.‏

أيمن فضة رضوان فنان تربطه بأعماله علاقة حب وعشق تفصح عنها سرعة التمثل والتعبير لديه، وجرأة الطرح وتنوع التجربة داخل الإطار الذي صاغ فيها تجربته.‏

عرف بشدة ولعه وتعلقه بالمفردات التي تستضيفها لوحته- تأثيراً وإيحاء- من الطبيعة الصامتة، والطبيعة البشرية- التشخيصية- إلى جانب تمددات تجريدية بالمساحة والخط تجاور الأشكال المعتمدة، وتشد من أزرها أو تشكل حاضنة وخلفية لها، والواقع أن أعمال أيمن رغم ما يبدو فيها من تفاصيل إلا أنها تميزت بالاختزال الذي أغنى صورة الايحاء، وصاغ إحدى مغريات الوقوف أمام لوحته وقراءاتها.‏

ومن خلال هذه التجربة التي صار لها من العمر ما يؤهلها لتشكل حالة مهمة في تشكيلات فنوننا الجميلة نستطيع أن نتفهمها، ونتأثر بها استناداً إلى الصيغة التي جاءت بها والأسس التي اعتمدتها وصولاً إلى إحداث الأثر بواقع الأشكال وصورتها ومشوقات اللون بالحرارة التي يحملها والدسامة التي يزخر بها ناقلاً جيداً لأنفاس الشكل والجوهر فيه بزخم واضح نحو إيحاء تجريدي ينبض بالحياة ويشير إليها، وهذا ما شجع الفنان على أن يوغل في هذا الاتجاه، حيث انحسرت الأشكال أو غابت بوضوحها النسبي أو إيماءاتها وتقدمت المساحة اللونية بتجريدات تعبيرية خاصة دفعت بالفنان إلى عرض العديد من أعمال هذا الاتجاه بجانب الأعمال التي عرف بها في معرض واحد منذ ثلاث سنوات في المركز الثقافي الروسي... إلا أن هذه التجربة وإن كانت قد عبرت عن ذاتها وتصالحت مع حيوية الفنان واندفاعاته وسرعة إنجازاته إلا أنها بتقديري ظلت مقحمة على عالم أيمن الذي لا تصدح موسيقاه إلا بحضور أشخاصه بالطبيعة العامة أو جذورها في الطبيعة الصامتة.... ومع هذا فإن إطاراً عاماً يمسك بأعمال الفنان يحيك نسيجها، ويرسم مواصفاتها في حركة دائمة من البحث والتقصي لا تخل بهذا الإطار أو تقلل من أهميته بل تكسبه مزيداً من التجارب، ولعل تجربته الأخيرة في بعض الأعمال والتي شاهدتها في مرسمه وتقوم على إغراق سطح اللوحة بشبكة من الخطوط المختلفة رسمت فوق اختياراته من الأشكال والعناصر إما بطريقة الكشط الذي يكشف سطوحاً لونية سابقة، وهي الطريق التي أرى أنها لا تنسجم بقسوتها ورتابتها مع ليونة طروحاته التعبيرية أو بالخطوط المرسومة المتعددة في ألوانها وأبعادها واتجاهاتها وهي بتصوري الأنسب والأكثر ارتباطاً بأجواء العمل وآفاقه.‏

على أي حال هي تجربة تستحق التأمل طالما فيها ما يشير إلى استمرارية العمل وبلوغ ما أمكن من جمالياته.‏

أيمن فضة رضوان فنان مصور لا تجد لأعماله مقاربات إلا مع تصويرات الأطفال، وتلقائية التعبير فيها، وشيء من ملامح الكاريكاتير وأعماله استجابة جريئة لتداعيات الأفكار والمشاغل والأمنيات بفرش لوني متلاحق يبلور مفردات أو هيئات أو إيماءات ارتبطت به ويعمل على تحديد ملامحها بخطوط فاصلة... متعددة الألوان ومغايرة لأرضيتها، توضحها إضافات نهائية لمفردات دالة ومفسرة لأجزاء من تفاصيل لم تكتمل بعد مثل العين والفم والأنف والشفتين والرموش تكون عناوين لمشاهد تشغل المتلقي وتثير اهتمامه بفعل ما تحمله من مفارقات عديدة أكسبت أعمال الفنان لونها الخاص الذي فيه وإلى حد كبير تغرد خارج السرب التصويري العام.‏

والمتأمل لأعماله ولمعارضه المتلاحقة وأحاديثه العادية والخاصة حول طبيعة انشغالاته وتحركاته أو حتى حينما يكون قارئاً لأعماله يدرك أنه وصل إلى مرحلة فيها حسم أمره، ووجد نفسه أمام مشهد يصعب الفصل فيه بين الفنان وعمله فنان لا يعيد النظر في لوحة أو في جانب منها وإذا حدث ذلك وبحالات نادرة فإننا سنكون أمام مشهد يصعب الفصل فيه بين الفنان وعمله... فنان لا يعيد النظر في لوحة أو في جانب منها وإذا حدث ذلك وبحالات نادرة فإننا سنكون أمام عمل جديد ومختلف.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية