تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مشـــــاهد .. في زوايا النفوس والأمكنة

مجتمع
الثلاثاء 16 -2-2016
أيدا المولى

عندما كنا نكتب عن التسول كنا نتهم الكبار بتعليم الصغار هذه» المهنة «ومازال

الكبار يعلمون الصغار «هذه المهنة» لكن بطريقة أخرى‏

أصبحت هذه المهنة مبكية وحزينة‏

ليس لأن ذاكرتي مازالت تحتفظ بمشهد تلك العيون التي تعلقت بشاب يتجول جارا وراءه كلبا بجنزير ويلبسه كنزة صوفية ناصعة البياض لأن الجو كان باردا‏

من هو الإنسان القادر على سؤال تلك العيون المتسولة عن إحساسها في ذلك الوقت وعن أمنياتها ؟ تلك العيون صاحبة الزي البالي ,تلبس أسمالا وتجلس على أرض با ردة‏

سيتمنى ذلك المتسول لو أن الكلب صديقه ويعيره الكنزة تلك أو أي كنزة أخرى لديه في خزانة ملابسه الخاصة. سيرغب بها حتى لو كانت سوداء‏

لا يهم في هذه اللحظة أن يكون الطفل فقيرا أو وظفه أحد الأوغاد ليكون متسولا لأنه بالنتيحة غدا متسولا ليس وحده بل أسرابا منهم‏

وصاروا جزءا من رصيف ليس له هوية‏

وصرنا جزءا من مشهد لا نقوم بشيء الا مشاهدته , نمر في الأسواق فنغدو غرباء المحلات لا تظهر لنا إلا من وراء الواجهات حتى في التنزيلات الخلبية التي نشعر من خلالها كم كنا أغبياء عندما صدقنا أنه يتم حقيقة إنزال السعر ألف ليرة ,إذ كيف تم تقليص السعر بهذا الرضا ؟؟ ليس لنا مكان لأنها ليست لنا إنها لمن اشترى تلك الكنزة ناصعة البياض‏

كنا نعتقد أن تأمين الخبز شيء مهم لاستمرار الحياة وهو كذلك لكن عندما صرت ألتقي بفتيات صغيرات في مركز من مراكز مكافحة الأورام بات تأمين الخبز أولوية ثانية‏

راما طفلة لا تعاني من أي مرض عضوي لكنها ترافق والدتها الى المركز لا لشيء لكن كي لا تبقى بمفردها في مركز الإيواء . لكن لماذا تبقى بمفردها ومن الواجب أن تكون في المدرسة فهي من طالبات الصف الثاني‏

الأم أجابت : المدرسة بعيدة أما الطفلة فقالت : والأولاد يأكلون لي السندويشات‏

لكن يا راما غدا ستكبرين وستخجلين لأنك لاتعرفين القراءة والكتابة‏

رفضت هذا الاتهام وبدأت بترديد : أ. ب . ت الى آخر الأبجدية مع بعض الترتيب العشوائي‏

وهل تكتبين اسمك ؟ كتبته بالهواء دون أن يكون صحيحا‏

غدا يجب أن تذهبي للمدرسة فردت الأم لم يعد يستحق ذهابها فقد انتهى الفصل الأول ولن تتعلم شيئا آخر‏

وهذا لاشيء أمام ماتحدثت به الطفلة عن» شجرة أم الليل « التي تخيف الأطفال ليلا وتمنعهم الى الذهاب الى أي مكان وقد اقتنعت راما بوجودها فقد شاهدت الشجرة فهي سوداء ويداها كبيرتان ومخيفة جدا‏

ما أحزنني أن هذه الطفلة مازالت تحتفظ ببعض الذكريات في مدينة كانت هناك حيث دمر الارهاب البيت والمدرسة ومعهد الموسيقا‏

وقتئذ صارمركز مكافحة الأمراض السرطانية صغيرا جدا مقارنة بمرض عضال أكبر وأكثر كلفة من السرطان‏

معظم الأطفال كانوا جميلي الوجه وبشرتهم ناعمة وأياديهم طرية , اعتادوا على مسك القلم وبدؤوا بالكتابة ثم فجأة تحولوا الى بشر قساة على أنفسهم‏

مازال هناك أطفال جميلو الوجه وناعمو الايدي وبمدارس مزينة لكننا نفتقد الكثير منهم الذين حولتهم الظروف القميئة الى كل شيء وأنستهم طفولتهم‏

لسنا ناقمين على المتسول ولا على راما ولاذويها ولاحتى على الشاب الذي يلبس كلبه كنزة صوفية ناصعة البياض‏

نقمتنا لاتصب على احد . دعونا نعمل للوصول الى حافة الأمان , الى خط نستطيع أن نعيد أطفالنا الينا..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية