تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سهام أميركا .. من العراق إلى السودان

شؤون سياسية
الأحد 3/6/2007
توفيق المديني*

تواجه الحكومة السودانية التعقيدات و الإسقاطات للأوضاع السائدة في إقليم دارفور, ولا سيما مع تزايد الضغوط الدولية عليها لإرسال قوات تابعة للأمم المتحدة, واحتمالات تعرضها لعقوبات دولية.

و منذ أن رفضت الحكومة السودانية قبول القرار الدولي 1706, القاضي بنشر قوات حفظ سلام دولية في دارفور, لأن القرار يمثل انتهاكاً لسيادة البلاد , تكثفت الضغوط الدولية على الحكومة السودانية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية, عبر البوابة الغربية المتمثلة بدارفور, ومن قبلها ومعها البوابة الجنوبية التي استنزفت خيرات السودان, إضافة إلى ما تتعرض له الحكومة من ضغط داخلي من الأحزاب والحركات المعارضة له, والتي يرتبط بعضها بجهات غربية لا ترغب ببقاء نظام البشير, فضلاً عن التواجد الأمريكي المكثف في القرن الإفريقي بعد عزم البيت الأبيض على إنشاء قاعدة عسكرية له في إفريقيا على غرار القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في آسيا وأوروبا.‏

و في محاولة لإيجاد مخرج عربي لأزمة دارفور ,أثمر الاجتماع الذي عقد خلال القمة العربية الأخيرة في مدينة الرياض, برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز, بين الرئيس السوداني عمر حسن البشير والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي ألفا عمر كوناري والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى, في التوصل إلى اتفاق بين الحكومة السودانية وكل من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي يحدد واجبات ودور القوات الأفريقية وقوات الأمم المتحدة في الإقليم . ففي مواجهة وضعٍ مسدودٍ إلى هذا الحدّ, توصّلت الأمم المتحدة في نهاية المطاف إلى مبدأٍ جديد: وهو (التهجين). بما أنّ الخرطوم ترفض قوّةً تابعة للأمم المتحدة وتقبل بقوّةٍ أفريقية, فربّما يمكن حملها على الموافقة على قوّةٍ تجمع القوّتيْن: الأفريقية وتلك التابعة للأمم المتحدة.‏

بيد أن هذا الاتفاق لم يكن كافيا في نظر الرئيس بوش, الذي قال : إنه قرر إعطاء الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مزيداً من الوقت لمواصلة جهوده الدبلوماسية مع الرئيس السوداني. ومع ذلك استمر الرئيس الامريكي جورج بوش وحليفه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في تصويب سهاميهما نحو السودان, وهددا حكومته بالعقوبات إذا أضاعت ما اسماه بوش ب(الفرصة الأخيرة) لوقف (الإبادة المزعومة) في دارفور, التي اعتبرها بلير فضيحة للمجتمع الدولي‏

و تنفيذاً لتهديدات كان أطلقها في 18 نيسان الماضي, أعلن الرئيس الأميركي جورج يوم الإربعاء 30 أيار 2007, تشديده العقوبات الاقتصادية المفروضة من بلاده على السودان منذ عام 1997, لتطال 31 شركة جديدة تملكها الحكومة السودانية لتصدير النفط ومبادلات تجارية ومالية, و4 أفراد, بينهم مسؤولون في الحكومة وزعماء للمتمردين, وهو ما رفضته الخرطوم وبكين, فيما رحبت به باريس ولندن.‏

أما المبرر الذي استخدمه الرئيس الأمريكي جورج بوش لفرض العقوبات الأمريكية على السودان فهو(الإبادة) التي يتعرض لها سكان اقليم دارفور حسب وجهة نظره , مؤكدا سعيه الى استصدار قرار صارم من مجلس الامن الدولي لمعاقبة حكومة الخرطوم. وقال بوش (ان شعب دارفور يصرخ طلبا للمساعدة, وهم يستحقونها.. وأعد شعب دارفور بما يلي: الولايات المتحدة لن تحول أعينها عن أزمة تتحدى ضمير العالم).‏

وقال نغروبونتي إن العقوبات الجديدة التي تريد بلاده من مجلس الأمن فرضها على السودان تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة, تتضمن أيضاً فرض حظر ملزم على تحليق الطيران العسكري السوداني فوق دارفور. وادعى أن (حكومة السودان قد عزلت نفسها), مشيراً إلى أن (استراتيجيتنا هي استخدام العزل لإرغام الخرطوم على تنفيذ تعهداتها التي مضى عليها وقت طويل ووضع حد للأزمة الإنسانية وأعمال القتل).‏

واعتبرت الخرطوم العقوبات غير مبررة, فيما انتقدتها الصين, الحليف الرئيسي للسودان, حتى قبل إعلانها رسميا, وكذلك الجامعة العربية, الا ان بريطانيا رحبت بالخطة فيما دعت فرنسا الى فتح ممر انساني من خلال تشاد المجاورة لوصول المساعدات الى دارفور.‏

وجاء التصعيد الأمريكي- البريطاني مع اتهام الأمم المتحدة للخرطوم باستخدام شعارها للقيام بعمليات قصف جوي في دارفور,في حين قال الرئيس السوداني عمر البشير أن واشنطن وراء كل المشاكلات التي تعاني منها بلاده. وفي السياق ذاته تنشط التحركات السياسية على المستويين الأممي والإفريقي لجمع كل الأطراف المتقاتلة في مفاوضات بهدف الوصول إلى الحلول السلمية الشاملة والمرضية, ومن تلك التحركات المساعي النشطة المبذولة من دول الجوار الشقيقة والصديقة للسودان للتعجيل بالمفاوضات بين الحكومة والحركات, وكذلك المساعي المبذولة من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة لتهيئة الأجواء وإعداد ما يمكن إعداده توطئة لتوحيد مواقف الحركات من جهة وأجندة التفاوض من جهة أخرى, ومجموع كل هذا النشاط عبرت عنه تصريحات من القائمين به بأن كل الطرق أصبحت ممهدة للمفاوضات التي باتت قريبة ومبشرة.‏

والواقع أن قضية الإبادة الجماعية ضخمت كثيراً من قبل بعض الدوائر الغربية لأسباب استراتيجية وسياسية, وهذا الدفع بقضية الإبادة الجماعية جعل الكثير من المؤسسات والمنظمات الإقليمية والدولية تحقق في هذه المسألة وتبحث كثيراً فيها. وعلى الرغم من نفي الجامعة العربية, والاتحاد الإفريقي, ومنظمات دولية تابعة للأمم المتحدة وغيرها, وتصريحات لبعض المسؤولين والهيئات الإقليمية من منظمات أطباء بلا حدود, إلا أن الولايات المتحدة من خلال الكونغرس وصفت ما جرى في دارفور بأنه (إبادة جماعية), وهو ما يعني أن الأمر يتعدى العوامل العابرة إلى ما هو أبعد من ذلك لاعتبارات سياسية ونظرة استراتيجية.‏

على الأحزاب السودانية أن تتوحد تجاه أزمة دارفور , وأن لا تجعل الخلاف السياسي الحزبي الضيق مدخلاً للشماتة أو السكوت عما يخطط له من جانب الولايات المتحدة الأميركية و بريطانيا و إسرائيل في دارفور, لأن هذا السكوت أو تشجيع ما يطرح الآن سيكون وبالاً على السودان نفسه, لجهة تقسيمه و تفتيته.‏

*‏

كاتب تونسي‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية