ويعتبر قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما إرسال سفير إلى دمشق بعد قطيعة دبلوماسية استمرت أربع سنوات، حدثاً جديراً بالاهتمام لأن ذلك معناه اعتراف الولايات المتحدة بأهمية سورية الإقليمي، وإقرارها أن سياسة الرئيس جورج بوش الرامية إلى معاقبة دمشق تنطوي على خطأ فادح. وأخيراً أدركت واشنطن -وهذا هو الواقع- أن التوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين صعب أو شبه مستحيل دون سورية، وتعتبر تلك البادرة بحد ذاتها إشارة قوية من الرئيس أوباما، الذي وعلى هذا النحو لايبحث في التوصل إلى سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين فحسب، وإنما أيضاً إبرام اتفاق سلام يشمل منطقة الشرق الأوسط بما فيها سورية، وبالتأكيد لبنان.
وأدرك أوباما أن سياسة سلفه جورج بوش تجاه العالمين العربي والإسلامي تحت يافطة (الحرب الكونية ضد الإرهاب) ودعمه غير المشروط لإسرائيل لم تؤد سوى إلى تغذية الارهاب ووضع العصي في عجلات سلام الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تعريض المصالح القومية الأمريكية إلى الخطر ولذلك فهو الآن يبحث عن تصويب الأهداف المرمية.
ولاشك أن هذا يحمل خبراً سعيداً لسورية، التي وضعها (المحافظون الجدد) في مرمى أهدافهم العدوانية من أجل رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد بما يتماشى والمصالح الإسرائيلية، وكان عليها مواجهة الاحتلال الامريكي في العراق وكذلك تأثير الأزمة اللبنانية ومقتل رئيس الوزراء رفيق الحريري مصوباً تجاهها.
ورغم تلك الاختبارات القاسية نجحت سورية في حماية مصالحها الحيوية بفضل دبلوماسيتها وحافظت على مجال نفوذها في المنطقة، كما صمدت في وجه الرغبة الإسرائيلية -الامريكية لبسط هيمنتها من خلال إقامة شبكة تحالف إقليمية خاصة بها وبقيت مخلصة ووفية لالتزاماتها إزاء كل الفلسطينيين سواء أكانت لفتح أم حماس.
وتكمن شرعية السلطة السورية، في رفضها بشكل أساسي وقطعي التخلي عن فكرة القومية العربية، اما داخلياً فإن شرعيتها تستند أيضاً على قدرة الحكومة السورية في حماية شعبها بشكل فعال، هذا الشعب الذي يعيش ضمن مناخ إقليمي غير مستقر، حيث العديد من المجتمعات العربية قد تأثرت بالغزو الأمريكي والضربات الاسرائيلية والحروب الأهلية واضطرابات أخرى إلا أن سورية خرجت من كل هذه الأجواء والمناخات الخطيرة بسلام وأمان.
وانطلاقاً من قناعته أنه لايمكن تحقيق طموحه في بناء دولة حديثة، جعل الرئيس بشار الأسد من تحقيق السلام الإقليمي العادل هدفاً أساسياً، ودعا في مناسبات عديدة إلى استئناف المفاوضات مع اسرائيل إلا أن سورية لن تضيع وقتها في البحث عن سلام يمنح امتيازات استراتيجية لإسرائيل، أو يعطيها الفرصة لمواصلة اضطهادها للشعب الفلسطيني وقمعه.
وبحكم كونها دولة متاخمة لفلسطين التي تحتلها إسرائيل عانت سورية الأمرين، وبالتالي وطوال سنواتها كانت تضع مواجهة إسرائيل والتصدي لمخططاتها العدوانية هدفاً ثابتاً أمام عينيها، فاندفعت في البحث عن قدرات ردعية، إن لم يكن على المستوى العسكري، فقد حققته على المستوى الدبلوماسي بفضل نسجها شبكة من الحلفاء والأصدقاء.
منذ ثلاثين عاماً، تمثل إيران الشريك الاستراتيجي لسورية، أي منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 وانفراط تحالف الشاه مع الولايات المتحدة وإسرائيل وكانت المقاومة اللبنانية أفضل حليف لسورية منذ نشأتها عام 1980 بغرض مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، والتي أرغمته على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000، وصمدت منتصرة في عدوان عام 2006 كما تدعم دمشق حركة حماس في قطاع غزة، وتعتبر سورية حماس (كما تعتبر حزب الله) منظمة شرعية تمثل المقاومة الوطنية ضد الاحتلال والعدوان الإسرائيلي.
وقبيل إعادة الحرارة لعلاقاتها مع الولايات المتحدة نجحت سورية في إقامة اتصالات جيدة مع القوى الأثقل في أوروبا، مثل فرنسا وإسبانيا وبريطانيا، وكذلك مع روسيا والصين ومتنت علاقاتها مع تركيا، وثمة اتفاق وتفاهم قوي جمعها مع قطر، الدولة الخليجية ذات النفوذ وكذلك مع العراق الجارة والشقيقة التي تربطها معها علاقات تجارية حيوية.
ولايتوهمن أحد، سواء في الولايات المتحدة أم في أي مكان من العالم، أن سورية مستعدة لاستعادة الجولان والتوقيع على معاهدة سلام مع إسرائيل على حساب قطع علاقاتها مع إيران أو حزب الله، أو التخلي عن الفلسطينيين وتركهم لمصيرهم في ظل الهيمنة والسيطرة الإسرائيلية، وهذه الفكرة تنطوي على جهل مطبق بالمصالح الحيوية السورية.