منذ أن كنا صغاراً رافقنا الشعر وعشقناه ونحن نسمع من يتغنى به ويردده بصوت جميل يتلوه على مسامعنا نطرب له ونبتسم على وقع موسيقاه وكثيراً ما كنا نتساءل ما معنى هذا البيت او تلك المفردة التي طربنا لها دون ان نعرف معناها ولكن مبناها وموسيقاها اعطتنا نغما جميلا وتظل الحيرة سيدة الموقف ترافقنا الى ان نكتشف بانفسنا المعنى الحقيقي او الجمالي لما سمعناه.
وربما كان من حسن حظنا اننا عشنا في شبابنا ونحن لا نعرف كثيرا عن مغريات الاتصال التي حولتنا الى الات تلق صماء لم ندمن التلفاز ولا الحاسوب الذي لم يكن اصلا قد دخل الكثير من مناحي الحياة حتى في الدوائر الرسمية ناهيك عن شيء اسمه المحفوظات ودرس القراءة والمكتبة المدرسية التي كانت تحتفي كل يوم بكتاب جديد او مجلة يتبرع بها مدرس او طالب وننتظر اسبوع المكتبة لنجمع ما نستطيع جمعه من اجل رفدها بكل ما هو جديد الى ما في الامر من حكايا وامال جعلت منا طلابا على الاقل قادرين على التذوق والمتابعة والمحادثة والتفاعل مع الحياة حلوها ومرها واليوم نرانا نسال لماذا: تحطمت تلك الجماليات وتمزقت عرى القراءة والتواصل بدءا من البيت وصولا الى المدرسة والجامعة والى كل مناح الحياة لماذا صارت حياتنا خشبا يابسا بعد ان كانت حقولا خضراء تضج بالطيب والعبق نسأل لماذا اهملنا كل التربية الجمالية والنفحة الانسانية وتحولنا او حولنا ابنائنا الى الات صماء تريد مجموعا ما ليدخلوا كليات تدر المال بغض النظر عن المعنى انساني.
الذائقة الجمالية نغم انساني يربى وينمى بكل ما هو جمالي من الهمسة الى اللون الى الشعر الى الموسيقا الى المحاورة والمحادثة الى اللقاء مع الاخر وبالتاكيد للتربية الاسرية والمدرسية،الدور الاول والاساس في هذا الشأن من خلال امور كثيرة افتقدناها في مناهجنا ومدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، وما لدينا من مؤسسات تعنى بالانسان وهي كثيرة وهامة ان احسنا تفعيلها.
امام هذا الكم الهائل من القبح الذي يضخه الاخرون في عقول أبنائنا وشبابنا وحياتنا،علينا ان ننتبه الى التشكيل الجمالي الى الوعي الحقيقي والوعي هو نوع من الذائقة الراقية، فالرقي جمال وأسلوب حضارة وعطاء، وبناء ما شهدته سورية من حرب ضروس تعاون فيها كل القبح العالمي يجعلنا نستدعي كل أساليب الجمال والحضارة والرقي ويجعلنا نبحث عن اساليب جديدة تتفاعل تتعاضد لنبني الانسان بناء متكاملا ونحن جديرون بذلك وشبابنا يستحقون كل العطاء كل الخير وكل الامل من أجل غد لايسأل فيه الشباب ماذا تكتسب من مال ومن يقول انجزت وفعلت وقدمت ووطني ليس بستانا للحصاد فقط بل هو للزرع والعطاء نزرع ونزرع والحصاد يأتي رويداً رويداً...