|
في ذكرى المازني.. حصاد الورق كلامي وأقول: نعم أحب شيرين وهدى وناريمان اللائي كلهن امرأة واحدة، ولكن أبدا أبدا لايموت ابراهيم عبدالقادر المازني، علي الرغم من أنه أكثر أقرانه نأيا عن السياسة، حيث تموت أرواح أصحابها قبل موت أجسادهم، وهكذا تتعفّن الأجساد وهي حية، كلنا يعرف أن قطار السياسة، القطار الأبيض والأحمر والأسود حسب الهويّات، القطار القشّاش والفرنساوي والتوربيني حسب الطاقات والقدرات، القطار العام في كل الأوقات ودون أيّ حسب، كلنا يعرف أنه قطار الوصول السريع إلي المحطات السريعة، والمازني في الغالب كان يكره تلك السرعة، لأنه كان يكره سلطة المؤسسات، سلطة الثبات الذي تحولاته تنكمش وتضيق وتصبح تحت السيطرة، وفي الغالب أيضا كان يحب ذلك البطء، لأنه كان يحب السلطة الخفية، سلطة الوقت الضائع، السلطة المستعصية علي الوصف، ربما أغرته هذه السلطة الأخيرة بالاستغناء عن ركوب القطار العام، ولد المازني ميلاده الأول في سنة 1889وهي سنة ميلاد بعض معاصريه الجادين المتجهمين، وأبرزهم العقاد وطه حسين اللذان فاقاه ضجة وشهرة، واللذان فاقهما، كما كشف لنا ماراثون الحياة، فاقهما في القدرة علي الجريان من الأزمنة الماضية إلي الأزمنة الأقرب، وإلي الأزمنة المحتملة، أزمنة التحولات، والسريان فيها، فاقهما أيضا في النشوة، وفي الحسرة، وفي الأسى، فاقهما حتي في الموت بغتة، مات المازني ميتته الوحيدة سنة 1949، مات فجأة، ثم بسبب عدم تساؤلاته حول جدوي الأدب، وبسبب إدراكه أن الكتابة لعب مستمر، لعبٌ لا لهو، لأن اللعب نشاط، واللهو خمول، وبسبب إلحاق نفسه سواء في شبابه أو كهولته أو علي مشارف الشيخوخة، إلحاق نفسه بالطفولة وكأنه يصرخ فينا عمداً وبلا قصد، إن الطفل هو الأب، إن الطفل هو الأب الوحيد الخالد، الأب المصلوب أحيانا علي خشبة، بسبب كل هذا، وبسبب استمساكه بعناصر العالم الأكثر قابلية للزوال، وانطلاقه الدائم من التفاصيل الصغيرة، من الشذرات، كأنه يبحث عن الإيقاع السري لدنياه ودنيانا، وبسبب عرج واضح في مشيته، لأن إحدى ساقيه أقصر كثيرا من ساقه الأخرى، وبسبب أنه ظل طوال حياته يحاول معرفة الفارق بين ما يمكن قوله وما لايمكن قوله، لهذه الأسباب جميعها، يستطيع أدب المازني أن يقف هائل الطول، وأن يمشي مفرود الساقين، وأن يحيا مرات عديدة في الأزمنة التالية علي موته الوحيد، ربما في الأزمنة كلها، في سنة 1959، أي بعد عشر سنوات من ذلك الموت، احتفلت الدار القومية للطباعة والنشر بذكراه، وأعادت نشر بعض كتبه في سلسلة كانت مشهورة أيامها، اسمها كتب Yomn.abbas@gmail.com">ثقافية. Yomn.abbas@gmail.com
|