وعلى هذه الأرضية , سواء الفشل والفساد الداخلي والضربات الموجعة وخصوصاً تزايد عدد القتلى من الجنود الأميركيين في العراق وأفغانستان المعلن عندها أو المخفية,جاءت نتائج الانتخابات ليسيطر الديمقراطيون على مجلسي النواب والشيوخ.
وبموجب هذه النتائج يصبح عدد مقاعد الديمقراطيين في مجلس الشيوخ 53 مقعداً من أصل مئة.
و229 مقعداً في مجلس النواب و28 مقعداً في حكام الولايات الخمسين ومعظم المجالس المحلية.
الوقوف عند قراءة أسباب تراجع الجمهوريين لصالح الديمقراطيين , يتطلب النظر إلى مايلي:
أولاً : استمرار الفشل والتراجع في السياسة الخارجية الأميركية ,والاخفاقات المتتالية, سواء في أفغانستان أو العراق والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وروسيا وآسيا وغيرها من المناطق.
وهنا يتساءل العديد من المتابعين , هل يعني ذلك أن الديمقراطيين أصلاً , ليسوا مع فكرة الحرب أو سياسة المصالح القومية العليا لأميركا, وهل سياسة الضربات الوقائية والاستباقية من صنع الجمهوريين فقط?
والاجابة عن هذه الطروحات من خلال التجربة التاريخية تقول إن الادارات الأميركية المتعاقبة لم ولن تكون يوماً , ضد الحروب بل هي ضد ( الاخفاق) حيث تعودت على الانتصارات المتلاحقة , وتحقيق المكاسب باستمرار ودون خسائر - بشرية- وهنا بيت القصيد, فالمغامرات العسكرية الأميركية , في الخارج كانت باستمرار تنتهي بأقل الخسائر البشرية , وأسرع وقت من الزمن , الأمر الذي فشل في العراق وأفغانستان حتى وصلت الأمور إلى حد تكرار سيناريو فيتنام الذي مازال جاثماً في أذهان الأميركيين بما جلبه من ويلات وألم !
إذاً المسألة باختصار, تتعلق بالاخفاق أولاً وحجم الخسائر البشرية ثانياً, وليست من أجل حرية العراق وضد الحرب عليه أو غيره من حيث المبدأ.
ثانياً : توضح من خلال تجربة بوش ودوافعه باسم الحرب ضد الارهاب, وملاحقة الارهابيين وأسلحة الدمار الشامل أن مثل هذه الطروحات غير صحيحة, وأن الفائدة الأولى والنهائية تأتي لشركات ديك تشيني ورامسفيلد وبوش وجماعة الصقور في البيت الأبيض حيث الفساد والأموال الطائلة التي تجنى من النفط والاحتكارات, بعيداً عن مشاركة الآخرين, وكل ذلك باسم المصلحة العليا, وهذا ما استثمره الديمقراطيون بشكل جيد.
ثالثاً:العامل اليهودي في الموضوع حيث استغل اليهود هذه الانتخابات ليقفزوا من سفينة الجمهوريين إلى سفينة الديمقراطيين , بعدما شاهدوا جنوحها وتعرضها لأعاصير شديدة, وتقديرهم أن مآلها الفرق في عالم متلاطم الأمواج بقيادة رعناء تكاد تفقد السيطرة على إدارة السفينة وتوجيهها إلى المرسى الآمن.
وهذا ما فسرته نتائج الانتخابات ووصول أكثر من 20 بالمئة من اليهود إلى المجالس التشريعية الأخيرة.
هذه الحقائق يعرفها بوش جيداً, لذلك أسرع في اقالة وزير الدفاع رامسفيلد, باعتباره المسؤول عسكرياًعن الاخفاق في العراق, وقد يترافق ذلك مع إقالة أو عدم التمديد لجون بولتون في الأمم المتحدة ولتحميله مسؤولية الاخفاق الدبلوماسي في فتح قنوات مع دول العالم بدلاً من اتخاذ مواقف وتصريحات متشددة جلبت مزيداً من الخصومات.
والاجراءات تلك يريد منها استمرار التعاون مع الديمقراطيين للمرحلة القادمة , ووضع سيناريوهات جديدة , وتمكن الفريق الجديد من تحقيق مكاسب مادية وعسكرية , والاتفاق على خطط وتوجهات خارجية , تنتهي بالنصر السريع والساحق ما يجعل إمكانية استمراره للسنتين المتبقيتين قائماً وواقعياً ويستطيع الهرب من فتح ملفات محاكمة أومساءلة أو ادانات يتوقع أن يطرحها الفريق الديمقراطي ضد بوش وهنا لا ينسى بوش أن الجميع متفق على حماية اسرائيل والحصول على النفط ما يسهل عملية التعاون مع الديمقراطيين, على هذا الأساس وأمام هذه القراءة يجب الانتباه جيداً إلى تعويض ثمن الهزيمة المتوقع من قبل بوش وفريقه من الادارة وكيف يستطيع تحويل ذلك إلى نصر وبمشاركة الديمقراطيين أنفسهم وما نصيب منطقتنا من ذلك.
الأمر الذي يجعلنا لا نغرق في نوم العسل والرهان على تغيير في السلوك الأميركي , والانتقال إلى الغزل والعشق مع الفريق الديمقراطي وصولاً إلى حل أزماتنا وتجاهل الأخطار والمكائد الأميركية الصهيونية المتواصلة منذ عشرات السنين ,هذه الحالة الخطرة جدا, تتطلب الحذر والترقب والتعاطي بدقة مع مستجدات الأمور.