فأولمرت أراد بعد نتائج تلك المواجهة وتداعياتها السلبية على مجمل أوجه الحياة في الكيان الصهيوني أن يعمل جاهداً للملمة تلك الجراح عن طريق توسيع قاعدة الكنيست والاتجاه يميناً لتوسيع لغة التطرف الصهيوني ضد العرب وضد استحقاقات السلام وذلك بضمه إلى ائتلافه الحكومي, اليميني المتطرف افيغدور ليبرمان زعيم حزب (إسرائيل بيتنا) وإحداث وزارة خاصة له للاستعانة به كما برر أولمرت خطوته هذه في مواجهة الأخطار الاستراتيجية التي يواجهها كيانه الغاصب ولاسيما التسلح النووي الإيراني, إضافة إلى إسناد مهمة أوسع لليبرمان في متابعته الجهاز الاستخباراتي الإسرائيلي (نتسيف) المخصص للتعامل مع روسيا والدول التي كان يتألف منها الاتحاد السوفييتي سابقاً باعتبارها مصدراً لتزويد إيران بالأسلحة المتقدمة والتكنولوجيا الحديثة حسب مزاعم أولمرت, وافيغدور ليبرمان يعتبر رمزاً للأفكار العنصرية في مسيرته وحياته السياسية السابقة فهو الذي سبق وشارك في حكومة شارون ودعا أكثر من مرة إلى تدمير السد العالي في مصر وإغراق مصر بمياه النيل وكذلك شن هجوم جوي عنيف على المفاعلات النووية الإيرانية على غرار ما نفذته إسرائيل على مفاعل تموز العراقي في عام ,1982 كما أن ليبرمان لم يتردد بإقناع شارون أيضاً باتباعه السيناريو الذي نفذته القوات الصربية في غروزني لتنفيذه ضد الفلسطينيين العرب في الأراضي المحتلة بغية تصفيتهم ما أمكن أو إجبارهم نحو النزوح عن أراضيهم تحت ضغط السلاح والقوة والإرهاب, كما تقدم ليبرمان لشارون بأكثر من سيناريو لتنفيذ هذه الخطط الإجرامية بحق الفلسطينيين كأن يتم اختيار أحد الأحياء السكنية في غزة أو في أحد مدن الضفة وقصفه جواً لتحويله إلى مقبرة جماعية تكون كفيلة بجعل باقي السكان الفلسطينيين يغادرون أراضيهم ومنازلهم عنوة, كما أن ليبرمان لم يتوان عن دعوته شارون في تطبيق سياسة للتهجير والتطهير العرقي في فلسطين كحد لمسألة الديمغرافيا الفلسطينية بغية الحفاظ على يهودية كيانه الغاصب ولهذا فعوضاً عن أن يتجه ايهود أولمرت لمواجهة المأزق الذي تعرى به كيانه جراء هزيمته أمام حزب الله, إلى لغة العقل والمنطق وبناء السلام المنشود مع العرب اتجه في الاتجاه المعاكس تماماً ظناً منه أنه بهذه الخطوة التي ضم إليه بموجبها ليبرمان في صفوف حكومته يكون أقرب إلى تقليص أخطار وحجم الهزيمة التي لحقت بإسرائيل وبالتالي استعادة الثقة لدى الإسرائيليين التي فقدوها مع اليوم الأول لمواجهة قواتهم مع حزب الله وهي المواجهة التي مازال كل إسرائيل ويهودي في أصقاع الدنيا يعاني من قسوتها ومن هشاشة الأفكار والعقائد التي كان يعيش في هالتها حيث بأيام قليلة أصبحت تلك الأفكار والعقائد في مهب الريح بعد أن أدرك الإسرائيليون أنهم مكشوفون تماماً نتيجة لهزيمة القوة الإسرائيلية التي عاشوا على أنها القوة التي لا تقهر والأسطورة التي لا تهزم, إن الإسرائيليين يعيشون اليوم دون أدنى شك حالة هذيان لم يتصوروا يوماً أنهم سيعيشونها وبات الكثير منهم يشعر بأن كيانهم كيان هش وضمان تفوقهم بات سراباً ليس له نهاية, وأن دولتهم (إسرائيل) تسير نحو الشيخوخة وهو ما أكده الكاتب (ديفيد غروسمان). إن ايهود أولمرت بضمه الصهيوني المتطرف ليبرمان يحقق لاستراتيجية هذا الكيان الغاصب المزيد من التطرف تجاه السلام وتجاه الفلسطينيين والعرب على حد سواء وبالتالي تعزيز السياسة العنصرية المقبلة ضد كل ما هو عربي, وبالتالي تكشف هذه الخطوة التي أقدم عليها أولمرت عدم تراجعه عن أفكاره ضد السلام رغم تبجحه بأنه يريد تحريك عملية السلام ورغم رفضه لمشروع افيغدور ليبرمان الذي تقدم به للكنيست الإسرائيلي بشأن طرد النواب العرب بحجة تحريضهم السكان العرب للنضال المسلح ضد كيانه.
إن انضمام ليبرمان للحكومة الإسرائيلية لن يجعلنا نصدق ما يحاول أولمرت تصديره إلينا ولوجه بالعملية السلمية والسياسية نحو الصراع العربي الإسرائيلي من خلال تشكيله لجنة وزارية برئاسة الوزير بيرتس لمتابعة شؤون العرب الفلسطينيين الذين يعرفون بسكان عرب 1948 وتحقيق قواعد المساواة لهم مع اليهود وهي المساواة التي كانت غائبة عنهم منذ ولادة هذا الكيان الغاصب وإلى اليوم.
كما أن دخول المتطرف ليبرمان حكومة أولمرت يعني أن هذه الحكومة الإسرائيلية قد انتهجت لنفسها طريقاً واحداً يتمثل في المزيد من التعصب والتطرف وفقاً لعقيدة الوعد الألهي التي يؤمنون بها وبتفوقهم على الآخرين والعرب حتى باتت لهم هدفاً مقدساً تلزمهم بالعمل من أجلها ولعلنا لن ننسى أيضاً أن ليبرمان هو الوجه الآخر للحركات العنصرية التي عاشت وترعرعت في جسم هذا الكيان كحركة غوش ايمونيم وحركة كاخ وحركة آيل وغيرها من الحركات التي لا تزال تجول وتسرح في الوسط اليهودي الإسرائيلي والتي تزداد قناعاتها يوماً بعد يوم بضرورة استخدام الحل الوحيد مع الفلسطينيين والعرب عبر القوة المفرطة ولعل ماشهدته قبل أيام بيت حانون من جريمة يندى لها جبين الإنسانية خير دليل على التوجه الجديد لأولمرت وليبرمان وعصابتهم الحاقدة ضد الفلسطينيين والعرب.