كذلك من أكثر العائلات التي حفظ تماسكها واحد أو أكثر من أبنائها المغتربين الذين ما فتئ برنامج (خبرني يا طير) يثير عبراتهم ولكن دون إمكانية لمد جسر العودة وذلك في ظل الاقتصاد الفتي الذي يعاني بدوره من طفولة متزايدة وفائض من مصانع العلكة والبسكويت..
في الوقت الذي يكون فيه الشاب السوري بأمس الحاجة للاستقلالية بشخصيته وكيانه الفردي في مجتمعنا الذي يعد من المجتمعات الفتية جداً (ما يزيد على ثلاثة أرباع السكان هم دون الخامسة والثلاثين من العمر) نجد هذا الشباب يراوح في وقوفه, يتنازعه فلك الأسرة الحاضن من جهة ومدار المجتمع الذي يشكو من فائض في قوة العمالة وقوة البطالة على حد سواء..
وكمحاولة لتعيين الاحتمالات المتاحة أمام الشاب السوري والتداعيات المتوقعة نطرح الفرضيتين التاليتين:
أولاً: إذا كانت الحالة المادية لأسرة الشاب في مستوى الوسط, وتتمتع بقدر من التكافل الاجتماعي المعهود في أعرافنا الاجتماعية, فستحتضن الأسرة الشاب إلى أن يستطيع الاعتماد على نفسه وتكوين عش زوجيته قريباً من أعين الأهل وطبعاً ليس دونما تكافل واتكالية متبادلة تجعل الشاب في تبعية لعائلته يكاد يورثها إلى أطفاله من بعده! فالتبعية الاقتصادية لابد أن تجر معها مختلف أشكال التبعية لمنظومة قيم وأعراف وأفكار وسلوكيات العائلة, وهنا لابد أن نلحظ الدور التخفيفي الذي تلعبه الأسرة السورية بتضامنها الفريد بين أفرادها في تنفيس الضغط على مؤسسات وقيادات المجتمع, التي جل أو معظم قياداتها ليس شاباً بالمرة وإن أبدى تصابياً في الخطاب وتشبها بالشباب لكن بدون تمثل قضاياهم وهمومهم اللحوحة..
إذاً الأسرة من جهتها ستظل تدفع الضريبة, فإلى متى يا ترى?? وكذلك تصبح تبعية الشاب لعائلة الأهل تبعية لا إرادية ونفعية أو على الأقل هي بفعل الحاجة والضرورة وليس من منطلق الرغبة والتمثل الحقيقي لقيم الأسرة والشعور بحقيقة وأصالة مرجعيتها داخل نفسه..
ثانياً: إذا لم تستطع الأسرة بإمكانياتها أن تدعم الشاب الطموح, فإن خيار الاغتراب خارج القطر يكون بالمرصاد, يقول حسين .م: في ضيعتي التي لا يتجاوز عدد سكانها العشرة آلاف نسمة هاجر منها إلى دولة بعينها من دول أوروبا الغربية ستون شاباً في مدى خمس سنوات!.
ونستطيع القول بثقة إن الاغتراب خارج القطر -بالرغم من غياب الإحصائيات في هذا الخصوص- هو طموح لغالبية الشباب في ظل الوضع الاقتصادي المتدني, وتدني مستوى الأجور قياساً إلى متطلبات المعيشة, والتضخم المضاف إليه الانفجار السكاني الذي يحتاج للتخفيف من آثاره إلى نسب نمو للناتج الوطني تفوق نسبة النمو في الصين التي تعد أعلى نسب النمو في العالم, وهنا فإن شبابنا ليس بلا ضمير ولا ذاكرة حتى يترك عائلته دون مساندة (طبعاً في حال حظي بالتوفيق في عمله خارج القطر) والنتيجة أن هذا المورد الذي تحصل عليه الأسرة يخفف كذلك العبء المذكور على سياسات الحكومة الرشيدة والمقتصدة..
عائلة مسكينة وشباب شيب
الاستنتاج الأول الذي نفترض الوصول إليه هو أن الضغط الذي يطول الأسرة السورية يهدد تماسك بنيتها على المدى الطويل أو أنه يحافظ على تماسك شكلي (يقوم بتأثير المعاناة المشتركة وضرورة المساندة الحتمية في صراع البقاء) أي أن المجتمع يضغط على لبنة بنائه الأساسية (المفترض أنها الأسرة) وبدل أن تتحمل مؤسساته الاقتصادية والاجتماعية هذه المهمة فإنه يقوم بإتاحة حمله على حساب صلابة الحلقة الحيوية الأساس فيه ألا وهي العائلة المسكينة بشيبها المنهكين! وشبابها المشيبين!!
ضيق الحلم والصدر المحاصر
أما الاستنتاج الثاني: فبالنسبة للسواد الأعظم من الشباب السوري وحتى في حال حقق استقلاليته الكاملة وفردانيته بعيداً عن الأسرة فهو سيظل تابعاً لها ما لم يجد من المؤسسات الرسمية استيعاباً لطموحاته ومطالبه وفي غياب التمثيل الرسمي (على الأقل كونه يشكل طبقة عمرية تمتلك أساساً ديموغرافياً في الوقت الحاضر والمستقبل البعيد).
يبقى السؤال هل أن الأزمة هي أزمة تمثيل رسمي للشباب على مستوى القيادات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في القطر? أم هي في تبني هذه المجالس لخطط وسياسات تزيد النمو في الناتج الوطني باستقطاب الرساميل السورية الوطنية المقيمة في الخارج وباستيعاب الرساميل الوطنية المادية والشبابية التي ما زالت تراهن على البقاء في وطنها? فهي برغم ضيق الصدر والحصار ما تزال تتنفس وطنها مؤمنة بأن (الوطن حلم لم يتحقق بعد لأي إنسان).
Jeehovas_92@yahoo.com