هل لأنهم.. وهم لا يزالون طلبة في المعهد المسرحي لا يتلمسون معاني الفرح الحقيقي.. وكل ما حولنا يدعو للعنف والإحباط والانهزامية, ألا يمكن لهذا الثالوث المقيت أن يتحول ليشكل دافعا يحضهم على تجاوز قسوة هذا الواقع بالتعبير عنه ومحاولة تغييره بفنهم.. كما يتمنى المشرف على دورتهم الإخراجية د. محمد قارصلي الذي لم يبد مستغربا لأن طلبته اختاروها عنوانا ضمنيا لمختلف مشاهدهم التي عملوا عليها طيلة ثلاثة أشهر, هي فترة الدورة الإخراجية التي حاولت إعطاءهم الأسس الأولية لدخول هذا العالم.
بل وإن د. قارصلي برر لهم خياراتهم متسائلا...كيف سنطالب شبابنا بالتفاؤل, وكل ما يحيط بهم قاس وعنيف, مشاهد الدمار والقتل تصدرها الفضائيات, التلوث والازدحام يصدره الشارع, والشاب يقاتل ليحصل على فرصة عمل.. لذلك كله لم يكن مستغربا أن نرى في عرضهم أن غودو لم يعد ينتظره أحد حتى أنه في نظرهم لم يعد مخلصا, كلهم أصبحوا مخلصين..
هذه الفكرة واحدة من الملامح الإخراجية الأولى لإحدى عشر طالبا توجوا دورتهم بمشروع تخرج حمل عنوان ( نحن) قدموا فيه أنفسهم في مختلف الحالات الحياتية دون أي إمكانيات مادية أو تقنية تذكر.. كما تؤكد يارا بدر طالبة السنة الرابعة في قسم الدراسات المسرحية أن مشكلاتهم بدأت منذ البروفات واستمرت دون أن يتمكنوا من تجاوزها حتى ليلة العرض حيث بدا واضحا كم هو فقير المسرح الذي اعتمدت عليه!!
ولم تنحصر المشكلات هنا بل عانوا من الانسجام فيما بينهم, ولعل لحظة الانسجام الوحيدة التي عشناها معا تقول (الخوف) أثناء العرض!!
الخوف الذي جمعهم.. حاولت يارا تجسيده في مشهدها ولكن بشكل مغاير.. إذ انها قدمت نموذج العائلة العصرية التي لا تفكر بالأولاد أو الطلاق إلا لتكسر رتابة الحياة والملل الذي تغلغل في أرواحهم.. وهذا الخوف شبه اليقين من المسؤولية وعدم الاستعداد لتقبلها واختيار اللامبالاة كبديل يدعو للسخرية المريرة.
لمى حمادة طالبة السنة الثالثة هي الأخرى تجيبني ساخرة ومتأملة في المجهول دون أن تخفي أن ما يشغل بالها إلى حد ما أنها قد لا تتمكن مستقبلا من إثبات ذاتها, وتتساءل هل يمكن لأحد أن يخاطر ويعتمد علينا نحن الشباب ولو بشكل جزئي كمساعدين في الإخراج كون الدورة أهلتنا للقيام بذلك فقط..
الدكتور محمد قارصلي يتفق مع لمى في هذا الرأي بل إنه هو الذي صدره إليهم لأنه وإن كان قد آمن بقدراتهم ومواهبهم إلا أنه يؤكد أن الفن تسعين بالمئة عمل جدي مستمر لذلك فإنه أقنعهم أن هذه الدورة ما هي إلا بداية لدخولهم عالم الإخراج الذي أصبح يحتاج لدماء شابة لديها روح متجددة.
هذه الروح التي يستفيد منها وتجعله يرى بمنظور مختلف عن جيله بل ويتعلم منهم رؤية جديدة للحياة..
وهو لا يزال يؤمن بهم وبضرورة الأخذ بيدهم حتى لو عانى معهم في لحظات كثيرة عندما تراجعوا وتقاعسوا.. إلا أنه لم يقبل بتقاعسهم وتعامل معهم بهدوء إلى أن تمكن من تحفيزهم وزرع الحماس فيهم مجددا, خاصة بعد أن علموا حقيقة أنهم سيعرضون خلال مهرجان دمشق المسرحي الذي اتخذهم عنوانا له.
خلال مراحل الدورة تركهم د. قارصلي يقدمون كل ما لديهم ومن ثم يعطي رأيه ولا يجبرهم على الأخذ به..
آمن أنه لا يمكننا أن نحمل الشباب أكثر من طاقتهم خاصة وأنهم يعيشون في مجتمع فيه كل أنواع الأزمات.. ولعل من أكبر المشكلات التي عاناها معهم تتعلق بالاستسهال ولذلك كانت مهمته أن يعلموا أن الإخراج مهمة صعبة جدا وبالتالي عليهم ألا يستسهلوا.. وأن يعملوا ليصبحوا أصحاب مشاريع عامة بعيدا عن مفاهيم النجومية والشهرة والربح التي يؤمن بها 90% من العاملين في المجال الفني.
ورغم أن د. قارصلي يعلن عدم رضاه التام عن المشروع إلا أنه يصر على استكماله وأن تليه دورات أخرى لأن الاستمرارية هي التي تضمن الجودة والنجاح.