وفي حال عودة أحدنا إلى أدبيات الصهاينة, يستطيع التأكد من أن حلم التوسع في الأراضي العربية المحتلة بقي على حاله منذ أن عقد أول مؤتمر صهيوني في مدينة بال السويسرية في التاسع والعشرين من شهر آب سنة ,1897 وحتى اليوم. بقي حاضراً في ذاكرة قادة إسرائيل مثلما بقي حافزاً لديهم لتحقيق ما يسعون لتحقيقه في منطقتنا العربية.
في المؤتمر المذكور, وبحضور 197 وفداً من 15 دولة جرى بحث إقامة ما سمي ب (وطن قومي لليهود). ,في أوراق التاريخ القديم أن هذا المؤتمر لم يكن بداية الطريق وصولا الى (الوطن) المنشود. فقد سبق المؤتمر أول صيحة كان قد وجهها يهودي فرنسي من باريس لم تدون المراجع اسمه بتاريخ التاسع والعشرين من شهر آب سنة ,1798 مناشدا يهود العالم كي يؤلفوا( مجلسا أعلى) مقره باريس تكون مهمته حصرا (إرجاع اليهود إلى وطنهم) ,أي( أرض الميعاد) حسب ادعائهم المعروف.
وفي سياق المناشدة نقرأ أن الوطن الذي حدّده صاحب الصيحة يبدأ من( مصر السفلى ويمتد شرقا الى الجهات المتاخمة, وينتهي بخط يمتد من بلدة عكا الى البحر الميت).
وفي هذا السياق يضيف قوله(إن موقع هذا الوطن سيمكننا من السيطرة على ملاحة البحر الأحمر وعلى تجارة ايران وآسيا, وعلى تجارة الهند وبلاد العرب وافريقيا الشرقية والجنوبية)!
وبذلك يستنتج القارىء أن مؤتمر بال في سويسرا بعد مرور مئة عام على تاريخ صيحة اليهودي الفرنسي , جاءك( تحصيل حاصل) لمسعى اليهودية العالمية للسيطرة على ربوع منطقة الشرق الأوسط, وذلك بعد انقلابها إلى حركة صهيونية منظمة في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين التي بدأت تصطبغ بالطابع الدموي سنة بعد سنة وصولاً إلى وعد بلفور المشؤوم في الثاني من شهر تشرين الثاني عام .1917
وتستمر الحركة في أيامنا هذه في سعيها لاحتواء المنطقة, متذرعة بحجج استعمارية مكشوفة. ومن ذلك, وعلى سبيل المثال, قول وزير حرب إسرائيل الأسبق ( بنحاس لافون) في خطاب ألقاه في حفل تكريم أقيم له في أحد قواعد التدريب في الثاني عشر من شهر شباط سنة 1954 جاء فيه ( إن إسرائيل لايمكن أن تبقى حتى الأبد في هذه الرقعة المحدودة من الأرض. إن الحلم الذي كان يراود أجدادنا ومؤسسو هذه الدولة شيء يخالف هذا الواقع الذي نعيش فيه. إننا قد لانتمكن من تحقيق هذا الحلم في الوقت الحاضر, إلا أن معالمه يجب أن تبقى ماثلة في أذهاننا دائماَ).
تلك هي وصية معاصرة بين جملة وصايا أخرى تصدر تباعاً عن قادة الحركة الصهيونية بين الحين والحين, وذلك بغرض إبقاء حلم الأجداد حاضراً في ذاكرة أبناء الأجيال الحالية والأخرى الآتية مع الزمن.
ومن هنا نكرر الدعوة إلى وجود إعادة قراءة تاريخ الحركة الصهيونية, منذ نشأتها وإلى اليوم, لأن في ذلك وضوح دربنا إلى ما يحفظ حقوقنا التاريخية, على الأقل في منطقتنا التي نعيش فيها, قبل أن تندثر هذه الحقوق وتصبح ذكرى في ورقة من أوراق التاريخ.
Dr-louka@maktoob.com