وطبيعة الانتحار الجماعي الذي يحتفلون بطقوسه في معظم عواصمهم، وهل من بين هؤلاء الأباطرة الصغار من يملك تفويضاً بتمثيل ماهو أبعد من عتبات قصوره الموحشة، قمة عربية فولكلورية للنظر بعيون مفتوحة على الداخل العربي، أم للاستماع بآذان مصغية لأحدث الوصفات الأمريكية للفتن المتنقلة والحروب الأهلية، ثم ماذا تبقى من هذه العروبة التي ترتفع أعلامها نظريا على مقاعد أصحاب الجلالة والسمو والفخامة في قاعة الاجتماعات الكبرى في هذه العاصمة او تلك، ثم تنكس واقعياً أمام أعلام القاعدة السوداء التي يطلع خوارجها من كهوف التاريخ لينتقموا من العروبة ورموزها وفكرها وأجنتها في بطون أمهاتهم !
قمة عربية عنوانها المال النفطي وسطوته ومهارة تجاره في البيع والشراء، في زمن الفوضى الخلاقة التي حددت لهذا المال النفطي وظيفته ودوره في رسم خرائط الشرق الأوسط الجديد، التي سهر الغرب الأطلسي ونخبة من المحافظين الجدد على تلوين خطوطها منذ عقد ونيف، ثم وزعوا المهام على وكلائهم وشيوخ محمياتهم في الخليج العربي، للعمل على الأرض كتفا الى كتف مع الموساد الصهيوني لتقسيم البشر والشجر والتراب والعقول في كل ما تصل إليه أيديهم من ديار العرب، وها هم اليوم في قمة الكويت يتربعون على عرش جامعة الدول العربية التي دفعوا ثمن قرارها ووضعوه في جيوبهم، ثم صاروا بكل تاريخهم الملوث بالجهل والتبعية ناطقين باسم العرب ومفوضين بقوة النفط والغاز لكتابة التاريخ باللغة العربية التي لم يتعلموا قواعد نحوها وصرفها طيلة عمرهم الجاهلي المهين، الذي أمضوا سنواته في الارتهان والتبعية !
روجوا في بياناتهم التحضيرية لقضيتين رئيسيتين لمداولاتهم العقيمة، المسألة الفلسطينية والأزمة السورية، وفي المعضلتين كانوا أصحاب السبق في تقزيم الأولى والتواطؤ على جوهر الحقوق المقدسة فيها، وفي إذكاء النار في الثانية وتوسيع مساحات القتل والدمار فيها، فالمتربعون على عرش قمة الكويت اليوم من ممالك الخليج وإماراتها، نفضوا أيديهم من فلسطين ومصيرها منذ زمن طويل، وحينما بزغ نجم المقاومة بين رجالها ومِن حولِها ألقوا على الطاولة مبادرتهم للسلام، هم الذين لم تكن تعنيهم أي حرب خاضها السوريون والمصريون ضد الاحتلال الصهيوني، وجدوا أنفسهم معنيين باستعجال سلام مفخخ يتسرب إطاره إلى عقولهم المغلقة على الجهل من دوائر الاستخبارات الأمريكية ثم عمموه على العرب دون أن يتقدم على الأرض خطوة واحدة، إلى أن وصل اليوم إلى حقيبة جون كيري، وصار البت فيه مطلوباً ولكن بالصيغة الصهيونية التي يدونها مكتب نتنياهو، وقمة الكويت مدعوة للتصديق ادقة على الصيغة فقط دون قيد أو شرط !
في الأزمة السورية، سوف يكون المقعد السوري الفارغ في قمة الكويت صاحب الصوت الأعلى، لأن القمة التي يبقى فيها مقعد سورية فارغاً من ممثلها الشرعي، فهي قمة تنكرت لعروبتها، وخانت أصدق تعابيرها التي تنبض في دمشق، ومن أجل ذلك فإن قرارات هذه القمة بشأن سورية لن تكون إلا صدى لما تروج له الخارجية الأمريكية في السر والعلن، وهو مجرد أوهام بنيت عليها حسابات خاطئة اصطدمت بالجدار ففقدت توازنها ولم تستعده بعد، والسوريون يعرفون طبيعة أزمتهم، ويعرفون طرق الخلاص من جحيمها، بقواهم الذاتية وانتصارهم المحتوم على الإرهاب، وليس بالوصفات السامة التي تخرج من مخابر التآمر الأطلسي، ويتلقفها المزورون لإرادة العرب في قمة الكويت، ثم ينقعونها في كأس ساخن، ويشربون ماءها !