تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بالنسـاء.. نقيـس الحـرب والسـلام يا دمشـق؟

ثقافة
الخميس 27-3-2014
 سوزان إبراهيم

قولي لي دمشق بمَ نقيس الحب ونحن نشتّم عبق حضارات عبرت على دروبك؟

أدرك كم من القلوب تنحشر في جدران سورك العتيق.. كم من الجنود ناموا بسلام بعدما نزعوا شوك العدوان عن وجهك..‏‏

هي المدن نساء جميلات.. طاغيات.. مستبدات.. وهنّ أمهات عطوفات.. سيدات مجتمع.. أديبات صالونات... وهنّ طفلات.. شقيات.. وهنّ محاربات لا يثلم لعزيمتهن حدُّ.‏‏

إن أردت معرفة أحوال مدينة, فانظر إلى نسائها.. إنهن فاتحة الكتاب.. وواسطة عقد جمالها.. ولواقط حداثتها ومدنيتها.‏‏

المدن ليست أبنية وشوارع وأسواقاً وساحات وحدائق....... المدن كائنات حية تتطور طرداً بتطور شاغليها.. وبعمق مشاعر محبيها... أحياناً تكون كائنات لطيفة, وأحياناً تكون وحشاً.‏‏

تتباهى المدن بصور نسائها في أزمنة الماضي, وكيف كنّ رائدات في كل المجالات.. من منّا لا يتباهى بدمشق العشرينات والثلاثينات والأربعينات... لأن نساء مثل ماري عجمي وعادلة بيهم الجزائري كنّ مولدات فعل ثقافي وحضاري! من منّا لا يتأوه حين يرى صوراً بالأبيض والأسود لنساء سوريات وهن يقصدن دور السينما أو المسرح أيام زمان ويقول: انظروا إلى تلك النسوة!‏‏

كان معظمنا يشعر بأن تغيراً ما بدأ يتململ تحت جلد المدينة, عبر النظر إلى النساء والتحول التدريجي في لباسهن.. وشكل حجابهن- الذي لم تعرفه سورية من قبل-‏‏

كان علينا فقط مراقبة ما يتململ تحت جلد المدينة: من منّا لا يتذكر كمَّ محلات الأثاث المستعمل في فترة الثمانينات وبداية التسعينات؟ من منّا لم ينتبه إلى أشياء كثيرة حملت دلالات غيبية.. فلماذا لم نكن بحاجة لها من قبل كل تلك العقود من السنوات؟ ولماذا انتشرت بهذه الكثافة؟ هل كانت دليلاً أو عرَضاً لم نتقن فك شيفرة المرض الذي يختبئ خلفه؟!‏‏

من منّا لم يتنبه إلى تناقص عدد المكتبات ودور السينما! إلى تكاثر المطاعم وهي تغزو قلب دمشق!‏‏

من يريد تغيير ثقافة المدن, فسوف يبدأ بالنساء أولاً.‏‏

النساء يصنعن السلام!‏‏

بالتأكيد هنّ أوعية السلام.. وهنّ- كما لا يخفى على أحد- حصان طروادة القاتل إن لم نعرف كيف نحولهن إلى صانعات سلام بحق.. هنّ لن يدركن دورهن الحقيقي والأصيل إن بقين مسلوبات الفكر والإرادة.‏‏

تحرير المدن يبدأ بتحرير النساء من كل مظاهر التبعية والاستغلال والجهل.. تحرير المدن يستلزم تحرير النساء من عقد النقص, وتراكمات مقاييس الجمال والشرف التي تلاحق المرأة في أدق تفاصيل حياتها ويومياتها وحتى القبر.‏‏

تحتاج المدن للتفاوض مع نسائها.. للتصالح معهن.. ولعقد اتفاق شراكة حقيقية.‏‏

«المآسي تستفيد من لحظات عدم التركيز» ونحن في مرحلة ما فقدنا التركيز, فكان من الطبيعي أن تتسلل المآسي إلى عقر نومنا, وتعقر قلوب نسائنا.. المآسي لا تأتي فجأة فقط.. هي تملك من الجرأة ما يجعلها تعلن عن نواياها قبل لحظة الهجوم.‏‏

اقرؤوا كف النساء لتعرفوا مصائر المدن.. تعاقدوا مع النساء لتستثمروا المستقبل جيداً.‏‏

النساء لا يخجلن من الدموع لأنها برهان على قلب يخفق بالحياة.. لكن كفوا عن عرض دموعهن على الملأ.. فنحن نعرف أي حرائق تثيرها دموعهن. هنّ من يصنعن من غليان الدم مربى بطعم قصب السكر بصمت وهدوء.‏‏

النساء مزهريات من الكريستال, فضعوا زهور المدن في بياضها.. ربّوا بامبو المدن الأخضر في شفافيتها.‏‏

«عندما يتعذر عليك الفهم.. أنصِتْ» هكذا هي المعادلة يا دمشق... تعذر علينا فهمك.. لكن قلة منّا من أنصت إلى ما كنت تقولينه.. إلى ما قالته النساء دون كلام.‏‏

«إن كان لكل البيوت في الجوار مفتاح واحد, يستطيع لص واحد أن يدخلها كلها» والبيوت نساءٌ, والنساء مفاتيحها, هكذا يصبح دخول البيوت سهلاً عبر مفتاح واحد لكل أبوابها: النساء.‏‏

أيتها المدينة الفاتنة لا تغاري من نسائك.. هنّ حمامات سلامك.. وهنّ سلالمك إلى غد أخضر.. أيتها المدينة العاشقة المعشوقة انتبهي إلى صمت نسائك ففيه الكثير مما يجنبك suzan_ib@yahoo.com‏">الحزن.‏‏

suzan_ib@yahoo.com‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية