وتعطيل المساعي التي تبذلها مع الحليف الروسي في مسار المصالحات الوطنية التي تهيئ الأجواء المناسبة لإنجاح مؤتمر سوتشي للحوار السوري السوري المقرر عقده أواخر الشهر الجاري.
فعلى منبر الأمم المتحدة الذي بات منصة دبلوماسية يستخدمها أعداء سورية عادة للهجوم عليها بغية اتخاذ قرارات عدوانية بحقها جددت واشنطن تصعيدها ضد دمشق محملة إياها المسؤولية عن هجمات كيماوية في الغوطة الشرقية متوعدة باللجوء إلى كل السبل المتاحة لمحاسبتها.
هذه اللهجة التي تحمل وعيدا وتهديدا من قبل المندوبة الأميركية في مجلس الأمن نيكي هيلي وتحريكا جديدا لهذا الملف لأهداف سياسية معروفة رافقتها تصريحات لوزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون لم تستثن روسيا من المسؤولية موضحا في المؤتمر الذي نظمته باريس مؤخرا تحت عنوان «شراكة دولية ضد الإفلات من عقاب استخدام الأسلحة الكيميائية» أن ما أطلق عليه «الهجمات الأخيرة في الغوطة» تثير مخاوف جدية لدى بلاده تتعلق بمواصلة الحكومة السورية استخدام هذه الأسلحة، وذلك في تجاهل تام لكل التقارير الأممية التي أكدت خلو سورية من الأسلحة الكيماوية منذ منتصف 2014 بناء على اتفاق أممي رعاه الروس والأميركان في هذا الاتجاه في العام 2013، والتقارير الأخرى التي أكدت حيازة الإرهابيين على أنواع مختلفة من هذا السلاح واستخدامهم له في مناسبات عديدة بهدف إلصاق التهمة بالحكومة السورية والتأثير على الرأي العام العالمي لاتخاذ مواقف عدائية ضد دمشق.
واشنطن وباريس غير معنيتين بتحقيق شفاف
من الواضح جدا أن باريس وواشنطن غير معنيتين بتحقيقات مهنية وشفافة وغير مسيسة في الحالات التي تم فيها استخدام الأسلحة الكيماوية وخاصة تلك التي جرت في بلدة خان شيخون العام الماضي واستخدمتها إدارة ترامب مباشرة ودون أي تحقيق ذريعة لشن عدوان صاروخي على قاعدة الشعيرات الجوية في نيسان من العام الماضي، أو في الحالات التي وثقتها الحكومة السورية، وقد دأبت دمشق وموسكو على المطالبة بلجان تحقيق غير مسيسة لتبيان الحقائق في هذا الملف الحساس وعدم ترك الأمور لمزاجية لجان تحقيق لواشنطن وحلفائها نفوذ داخلها وتأثير كبير على أعضائها.
وقد عبرت موسكو مرارا وتكرارا أن آلية التحقيق الدولي المتبعة فشلت في إجراء تحقيقات موضوعية حول استخدام السلاح الكيماوي في سورية، بل أضحت هذه الآلية أداة للتلاعب السياسي من قبل الدول نفسها، كما اعتبرت موسكو أن هذا التحريك الجديد لملف الكيماوي هدفه تشويه صورة روسيا عبر الادعاء بأنها تحمي من يشنّون هجمات بالسلاح الكيماوي والغاية من ذلك تقويض الجهود الرامية إلى التوصل لتسوية سلمية في سورية، وتصب في إطار محاولة استبدال منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
وفي اجتماع مجلس الأمن الذي عقد قبل أيام أكد مندوب روسيا فاسيلي نيبينزيا أن موسكو قدمت مشروع قرار حول إنشاء هيئة تحقيق دولية جديدة للتحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية تعمل على أساس بيانات «لا تشوبها شائبة ودامغة» التي يتم جمعها بطريقة شفافة وجديرة بالثقة، وأشار الدبلوماسي الروسي إلى أن موسكو قلقة من مسألة استخدام السلاح الكيماوي لأغراض إرهابية ليس في سورية فحسب، بل في المنطقة كلها، في حين أكد مدير قسم شؤون عدم الانتشار والرقابة على التسلح بالخارجية الروسية، ميخائيل أوليانوف، أن التحقيق في حادثة خان شيخون «يجب أن تستأنفه هيئة جديدة»، لافتا إلى أن آلية التحقيق «عاجزة عن ضمان الحفاظ على سلامة الأدلة المادية في طريقها من مكان الحادث إلى المختبر»، كما أشار إلى أنه تم انتهاك هذا المبدأ أكثر من مرة فيما يتعلق بسورية.
تؤكد دمشق أن ما يجري حاليا في ملف الكيماوي هو مجرد ابتزاز جديد للدولة السورية من أجل تحقيق بعض المكاسب السياسية، وتقديم الدعم المعنوي للإرهابيين وبعض الجهات المناوئة للدولة السورية، وقد بات مشهدا مألوفا أن تعود الجهات الدولية نفسها لإثارة هذا الملف ضد سورية مع كل تقدم يحرزه الجيش العربي السوري وحلفاؤه في مواجهة الجماعات الارهابية، حيث بات الجميع يعلم كيف يتحكم الغرب بلجان التحقيق الأممية ويشكلها حسب مزاجه ويفبرك تقاريرها لخدمة مصالحه وأغراضه، وما زالت الذاكرة تحفظ كيف فبرك الأميركيون أدلة بخصوص الأسلحة الكيماوية في العراق لتشكل ذريعة لغزو هذا البلد واحتلاله عام 2003 في الوقت الذي أكد فيه كبير المحققين الدوليين آنذاك هانز بليكس عدم وجود أي أثر للسلاح الكيماوي في العراق، وهذا ما اعترفت به واشنطن فيما بعد واعتذر عنه وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول.
وبالتالي فإن خضوع الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة لهيمنة القوى الكبرى سيفقدها مصداقيتها وسيضعف دورها على الساحة العالمية وهذا من شأنه زعزعة الأمن والاستقرار العالمي وإثارة الكثير من المشكلات والحروب ما يحتم على روسيا والصين والعديد من الدول الصديقة وضع حد لهذه العربدة الغربية ومنع واشنطن وحلفائها من تنفيذ أجنداتهم التخريبية في سورية والعالم.